عبثاً، والجدال رغاء، وقلبت الأوضاع، وأنكر التاريخ، وجحدت المجهودات القائمة للفلاسفة. فنحن إذاً لا نوجه كلامنا إلى أصحاب الرذيلة الذين بخسوا الفضائل حقها. ولكنا نوجهه إلى الأساتذة أصحاب الفضيلة فنقول:
الثورة في مجال الأخلاق لا تبنى على إنكار الفضائل، وتجاهل أمر الثورات الأخلاقية في تطور التفكير البشري، ولكن على علاقة الفضيلة بالرذيلة أولا، وعلى استعراض التصور النوعي للفضيلة في الثورات الأخلاقية.
(١) أما عن تحديد علاقة الفضيلة بالرذيلة فلا يمكن البحث عنها خارج فلسفة الرواقيين، لأنه أعظم مبدأ أخلاقي وجد إلى الآن في تطور التفكير الإنساني، وذلك لأنه قضى على مبادئ الأخلاق التي تقدمته بتعاليمه السامية. فبينما سقراط يجتهد أن يتخذ من الأخلاق سبيلاً لتقييد حرية الفرد وإخضاعه للدولة الحاكمة في المجتمع اليوناني، نرى أفلاطون يفترض السوء في طبيعة الإنسان ويجتهد بعد ذلك أن يرفعه إلى قداسة عالم المثل. كذلك أرسطو فهو يميز وبنوع بين خلق الله فيقر الرق والاستعباد، ويضع أخلاقه للسادة من الناس، والأرستقراطية التي قضت مباشرة على مبادئه وأضحى فكره ميتاً بعد حروبا الاسكندر الأكبر، لأن المجتمع اليوناني في ذلك الزمان أصبح في حاجة ماسة لمن يخاطبه بلغة قليلة التجريد - أقرب إلى الواقع منها إلى الخيال، يتحقق خلالها ذلك الفهم الواسع الذي أدركه اليونانيون باحتكاكهم بعد تلك الحروب بسائر الأمم الأخرى، لهذا لاقت تعاليم الرواقيين نجاحاً عظيماً وخاصة تعاليم كريزيب (اقرأ كتاب أستاذنا أميل برهييه وعنوانه كريزيب في مجموعة أَلكان لكبار الفلاسفة) لأنها ألغت الرق، وجعلت الناس سواسية كأسنان المشط أمام القانون الأخلاقي، وافترضت الخير في طبيعة الإنسان. وأهمية هذا المذهب لا تقف عند هذا الحد لأنه ساد بعد ذلك كل العالم الروماني، وعالم القرون الوسطى في أوربا خلال آباء الكنيسة. والأهم من ذلك أخيراً أن زعماء الفكر الحديث عندما كتبوا في الأخلاق تأثروا بالرواقيين، فمثلاً ديكارت في خطاباته مع البرنسيس اليزابيث، وسبينوزا في كتاب (الأخلاق) وكانت في كتابه عن الأخلاق.
فالرواقيون آباء الأخلاق لم ينكروا في ثورتهم الفضائل ولم يبخسوا كذلك الرذائل حقها وما لها من أهمية في الحياة؛ غير أنه يستحيل في نظرهم فصل الاثنين عن بعضهما، لأن