للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الإنسان مركب من روح وجسم وهي البداهة كلها فله شهوات تدعو إلى الرذيلة، وله غايات روحية سامية يريد تحقيقها؛ غير أن الشهوات والميل إلى الرذيلة ليست بطبيعية في الإنسان، فالإنسان كأساس خَير بطبعه، ولكن الحياة الخارجية المادية ومغرياتها هي التي تفسد عليه داخليته ونفسه الطاهرة. ولما كان أغلب الناس لا يمكنهم التضحية بمغريات الحياة الخارجية؛ أضطر الرواقيون ألا يتجاهلوا أمر الرذيلة وأثرها في التخلق فحسبوا لها حساباً بل جعلوا منها ضرورة لازمة للفضيلة؛ ويقدمون لذلك ثلاث حجج، (يجدها القارئ في كتاب أستاذنا برهييه والأستاذ بيفان

أولاَ - حجة بالمقارنة؛ فالرذيلة تابعة للفضيلة وشرط أساسي لها؛ ويضربون لذلك مثلاً جمال رأس الإنسان الذي يتضمن في نفس الوقت نوعاً من الضعف هو رقة عظامه وتعرضه في أي لحظة للأخطار الطارئة، فإذن ليس هناك جمال خالص من ضعف أو قبح يشوبه، كذلك. , ليس هناك فضيلة خالصة ولا بد للرذيلة أن تلازمها فهي ضرورية لها.

ثانياً - حجة منطقية: تتلخص في أن النقيضين متضامنان؛ فالخير يتضمن الشر في تصوره، والحسن يتضمن القبيح في إدراكه، والفضيلة تتضمن الرذيلة وهلم جرّاً. . .

ثالثاً - حجة أخلاقية: يقول الرواقيون: الرذيلة ليست من طبيعة مغايرة للفضيلة، فكلاهما من نوع واحد. وليست الرذيلة هي حرباً على الفضيلة، وإنما هي فضيلة ضالة، والعقل في تصورها وفعلها خاطئ، ومهمة الأخلاق هي العودة بما ضل إلى الطبيعة الخيرة الأولى.

هذا الفهم للعلاقة بين الفضيلة والرذيلة اضطر الرواقيين إلى تصوير نوعين من الأخلاق: أخلاق لا يصح أن نسميها (خارجية) نجدها في كتاب (الواجبات) لشيشرون، وهي تختص بمغريات الحياة الجارية وتنبني على ما يجب فعله وما لا يجب أن يفعله الإنسان في يومه، والتحقير من أهمية الماديات لتغير قيمتها بتغير الأشخاص والأزمان والأصقاع، فهي أشياء عارضة، وينبغي الزهد فيها، والإعراض عنها، فهي أخلاق تهتم بتخفيف وطأة الرذيلة.

وأخلاق نسميها (داخلية) تبنى على رياضة الإرادة، أساسها ضبط النفس وغرضها الوصول إلى الخير المطلق، ونجدها في كتاب شيشرون المسمى وهي ما يصح تسميتها كذلك بلغة العلم الحديث (أخلاق نظرية) ترمي إلى خلق الانسجام بين إرادة الوجود في الفرد، وإرادة الوجود في العالم، وإرادة الوجود في المجتمع.

<<  <  ج:
ص:  >  >>