أحواله. وبعد مزايلة عضد الدولة بغداد استخفى خائفاً، واستتر متوجساً شراً، حتى توسل أحد أصدقائه إلى عز الدولة وإلى وزيره ابن بقية أن يهبا له أمناً، ويبذلا له عوناً، فقبلا التوسل وتركاه طليقاً، وما لبثا أن قيداه سجيناً بإغراء ابن السراج لهما به، وفي هذا يقول ياقوت في معجمه (وجرت له في هذه النكبة خطوب أشفى فيها على ذهاب النفس، ثم كفاه الله بأن فسد أمر ابن السراج مع ابن بقية بما عامله بالعلة التي عرضت له، فقبض عليه، ونقل القيد من رجل أبي إسحاق إلى رجله) وفي محبسه هذا كتب إلى ابن بقية يستعطفه ويستميحه:
ألا يا نصير الدين والدولة الذي ... رددت إليها العز إذ فات رده
أيعجزك استخلاص عبدك بعدما ... تخلصت مولاك الذي أنت عبده؟
وصفا له الجو، وهدأت عواصف الشر، فاستخدمه عز الدولة فأخلص، واصطفاه فكان نعم المصطفى، وكتب له كتباً كانت مثار حنق عضد الدولة، ومدار إحنه، ولشد ما غضب عندما أنشأ كتاباً عن الخليفة الطائع لله يشيد فيه بعز الدولة، ومنه (وقد جدد أمير المؤمنين له (أي لعز الدولة) مع هذه المساعي السوابق، والمعالي السوامق، التي يلزم كل دان وقاص، وعام وخاص، أن يعرف له حق ما كرّم به منها، ويتزحزح له عن رتبة المماثلة فيها) فقد أحفظه هذا التعريض أعظم حفيظة، واضطغن عليه أشد ضغينة، فلما ملك بغداد سنة سبع وستين وثلاثمائة هجرية أمره أن يؤلف كتاباً في مناقبه، وفي آثار الدولة الديلمية، وذكر فتوحها، فأطاع. وبينا هو في تأليفه وتصنيفه، وتسويده وتطريسه زاره في داره عدو في ثياب صديق، وسأله عما يعمل، فزعم عنه أنه قال: أباطيل أنمقها، وأكاذيب الفقها، فحركت القالة المزعومة في عضد الدولة كوامن غيظه، وأثارت منه عوامل ضغنه، فأمر بإلقائه تحت أرجل الفيلة، ولولا أن استشفع فيه من أصدقائه نصر بن هارون، ومطهر بن عبد الله، وعبد العزيز بن يوسف، لكان في ذلك اليوم من الهالكين؛ فقد أقبلوا على الأرض يقبلونها بين يدي ملكهم ضارعين مستشفعين راجين متوسلين؛ حتى صدر أمره باستحيائه مع اعتقاله، واستصفاء أمواله، فبقى في معتقله هذا ثلاث سنوات وسبعة أشهر وأياماً، وإن جاء ذكرها في شعره أربعاً على سبيل التجوز في قصيدة يسترحم بها عضد الدولة، وقد خرج لزيارة مشهد أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأولها: