للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ودخل عضد الدولة بغداد وهو عنه راض، وبرحها إلى الموصل وهو إلى ولاء الصابي مطمئن، ولكن الوشاة - وما أكثرهم - نبشوا الدفائن، وأخرجوا كتباً من عز الدولة إلى أحد عماله بخط الصابي، وفي بعضها قدح في عضد الدولة، ورفعوها إليه، فكتب من الموصل بالقبض عليه، ولعل حديثه هو عن نفسه أدق من حديثنا عنه، فهو يقول:

(كنت جالساً بحضرة أبي القاسم المطهر بن عبد الله وزير عضد الدولة في يوم القبض عليَّ إذ وردت النوبة، ففضت بين يديه وبدأ منها بقراءة كتاب عضد الدولة، فلما انتهى إلى فصل منه وجم وجوماً بان في وجهه، فقال لي أبو العلاء صاعد بن ثابت: أظن في هذا الكتاب ما ضاق صدراً به، وقمت من مجلسه لأنصرف، فتبعني بعض حجابه، وعدل بي إلى بيت من داره؛ ووكل بي، وأرسل يقول لي: لعلك قد عرفت مني الانزعاج عند الوقوف على الكتاب الوارد من الحضرة اليوم، وكان ذلك لما تضمن من القبض عليك، وأخذ مائة ألف درهم منك، وينبغي أن تكتب خطك بهذا المال، ولا تراجع فيه؛ فوالله لا تركت ممكناً في معونتك وتخليصك إلا بذلته. وقد جعلت اعتقالك في دار ضيافتي، فطب نفساً بقولي، وثق بما يتبعه من فعلي) كما قبض على ولديه أبي على الحسن، وأبي سعيد سنان؛ وقد وفى الوزير أبو القاسم بما وعد، فسأل عضد الدولة إطلاقه واستخلافه لقيام أبي القاسم على رأس جند لقتال صاحب البطيحة فقال له:

أما العفو فقد شفعناك فيه، وينبغي أن تعرفه ذلك وتقول له إننا قد غفرنا لك عن ذنب، لم نعف عما دونه لأهلنا يعني: عز الدولة والديلم، ولأولادنا بيتنا - يعني: أبا الحسن محمد بن عمر وأبا أحمد الموسوي، ولكنا وهبنا إساءتك لخدمتك وعلينا المحافظة فيك على الحفيظة منك، وأما استخلافك إياه بحضرتنا فكيف يجوز أن ننقله من السخط والنكبة إلى النظر في الوزارة ولنا في أمره تدبير، وبالعاجل، فتحمل إليه من عندك ثياباً ونفقة وتطلق ولديه، وتقدم إليه عنا بعمل كتاب في مفاخرنا. فحمل إليه المطهر ما أمر به الملك وأطلق ولديه، ورسم له تأليف الكتاب وبقى الصابي في محبسه يؤلف حتى أتم المؤلف، فلم يفرج عنه لوقته بل قيل: إنه أخر الإفراج عنه سنة، فلما رفع إليه إحدى قصائده يطلب فيها الصفح عنه والإفراج، قرأت عليه ولديه بعض أصدقاء أبي إسحاق ومنهم أبو الريان حامد بن محمد وعبد الله بن سعدان فقبلا الأرض وقال أحدهما: إن من أعظم حقوقه علينا وذرائعه

<<  <  ج:
ص:  >  >>