١ - الوصول إلى معرفة الأسباب التي تجعلنا نعتقد بوجود المادة.
٢ - الوصول إلى معرفة حقيقة المادة بعد أن نقبل وجودها.
أما وجود المادة ففيه مذهبان: مذهب الرأي العام والحس السليم، ومذهب الفلاسفة. فالرأي العام يقبل وجودها لأنه كوجودنا، ولأن الحياة العملية تسمح لنا بالاتجاه في العالم الخارجي دون أن تخولنا حق الشك في وجوده. ففكرة المادة وطبيعتها لا يصعب على الرأي العام والحس السليم بيانهما بياناً واضحاً؛ فإننا نجدها مركبة من معان مألوفة. وكلنا نعتقد أن المادة هي جوهر دائم وراء الأعراض يتغير من صورة إلى أخرى دون أن ينعدم أو يزول. وإذا رجعنا إلى دستور العالم الكيميائي الفرنسي (لافوازين المسمى بمبدأ بقاء المادة القائل: (لا خلق ولا فناء في هذا العالم بل الكل في تحول) علمنا أن المادة تتحول من شكل إلى آخر؛ فالخشب مثلاً يتحول إلى رماد وغاز، ثم تتكاثف الغازات. . . وهكذا. فالمادة على كل حال موجودة لا تتلاشى. ونحن نعتقد أيضاً أن المادة غبر متجانسة، فهي تتصف بصفات مختلفة باختلاف الأجسام التي تتركب منها؛ فكل جسم له مادة لا تشابه مادة الجسم الآخر؛ فمادة الكبريت غير مادة الصوديوم، ومادة الصوديوم غير مادة النحاس، وهكذا. وهذه المادة عاطلة فهي لا تتحرك من نفسها لأنها غير قادرة على تبديل حالة سكونها بحركة، أو تغيير شكل حركتها التي هي خاضعة لها.
وأما الفلاسفة فقد ذهبوا في وجود المادة مذاهب شتى، حتى أن (زينون ده ليه ' أحد الفلاسفة الخياليين في القرون الأولى بحث في إثبات وجودها (وكأن ذلك يحتاج إلى إثبات) فقال: إن فكرة المادة لو حللناها لوجدناها مجموعة متناقضات لأن العناصر التي يتركب منها جوهر المادة كالزمان والمكان والحركة كلها متناقضة. فالحركة كلها تناقض وعلى ذلك فلا وجود للمادة أصلاً. وهو ينكر وجود الحركة كما ينكر معنى الزمان بالمعنى المعروف ومعنى المكان بالمعنى المألوف. وأدلته على إنكار الحركة كثيرة، منها أن الأرنب إذا لحق أرنباً آخر وكان بينهما مسافة وكانت سرعة الخلفي نصف سرعة الأمامي فإنه لا يلحقه أبداً، لأنه بحسب الحساب الرياضي يلحقه في اللانهاية؛ وهما لا يستطيعان أن يذهبا إلى اللانهاية. فترى أن بحثه أوصله في النهاية إلى إنكار وجود المادة. وكان (ديوجين)