طلقاتها في أذن ماري، وتثير في قلبها الصغير شتى الهواجس والأفكار. . .
(الإبرتان الشقيتان!!) هكذا كانت الفتاة تفكر. . . (لا بأس، صبراً يا بازين صبراً، هاقد أوشكت أفرغ من هذا العناء الذي تشتريه مني بفرنكات معدودة لا تكاد تكفي ثمناً لمسح حذاء واحد من سادتنا. . . أوه! يالك من عقدة خبيثة! اذهبي إلى الشيطان! ألا ما أصعب إصلاح العقدة المختلطة! إنها كاللغز الذي لا يمكن حله! ما هذه الطلقات النارية يا سادة!! ارحموا الثعالب والأرانب، وارحموا أبي جان المسكين! ماذا يصيد هو إن لم تبقوا على أرنب واحد! هذا بلاء والله! أوه! وا رحمتاه لك يا أبي! إن صيد أرنب أو أرنبين أيسر عليك من قطع عسلوج واحد مع فرق ما بين الأجرين! الأغنياء! الثروة التي لا يحصيها عد!. . . . . . الخ. . .).
وسمعت الفتاة صوت بوق يُدَوّي في آفاق الغابة شغلها عن إبرتيها، وعن غنائها، وعن مارجوت. . . وعن كل شيء. . . حتى عن هذه السلسلة غير المنتظمة من الأفكار الفضولية التي كثيراً ما تزدحم بها رؤوس الناس، لأتفه ما يثيرها من الأسباب.
وأرسلت عينيها في شعاب الغابة مرة، وفي مسايل اللوار أخرى، فرأت السادة الأغنياء قد فرغوا من صيدهم، وقد حمل خدمهم أحمال القنص على خيول ضخمة، وانطلق الجميع يعدون نحو القصر المنيف، كما تعدو السمادير أمام العين العشواء، وكما تنطلق أحلام النائم في كل صوب. . . حتى غابوا عن بصرها.
وعادت ماري إلى إبرتيها بعد إذ ثابت إلى نفسها. . . وبدأت تعمل وتغني من جديد! ولم تكد تفعل حتى سمعت صوتاً حنوناً يهتف بها، فأرسلت عينيها في كل حدب، ولكنها لم تر أحداً. . . وارتبكت هذه المرة، وحاولت أن تعمل، ولكن العقد اختلطت أكثر من ذي قبل، وعاد الصوت الحنون يهتف وينادي. . . ونظرت ماري، وبحثت بعينها في كل مكان، فإذا بنبيل من السادة الصيادين يناديها في السفح البعيد، ويشير إليها بيده الآمرة أن تذهب غليه.
لم تتحرك ماري، بل ظلت ساكنة صامتة. . . وكأنما غيظ النبيل من سكونها، فغمز حصانه الكبيرة غمزة فأنطلق يطوي النجوة صعداً في غير مبالاة، كأن الدنيا بأسرها ملك له ولأجداده الخيول من عهد عاد! حتى الخيل تعرف الصفاقة أضعاف ما يعرف النبلاء!
لقد كان رجلاً عملاقاً له مهابة وفي عينيه نُبْل، وله لحية خفيفة فوق صدغيه قد وخطها