مضطرب قبل الفتح إلى ملك ثابت وطيد بعده، وتحولت حياتها من حياة ريفية مقلة، إلى حياة مترفة ساحرة
وكان من الطبيعي أن يكون لسكان تلك الأرض عواطف رقيقة ونفوس جميلة لما للطبيعة الماثلة في كل وقت وفي كل مكان أمام أعينهم من أثر، ولما في حياتهم من ترف ونعيم
وابن خفاجة في حياته يمثل لنا الرجل الأندلسي الذي عاش في تلك العصور أحسن تمثيل، وفوق ذلك كان لا يميل إلى مناصب الدولة ولم يكن له عمل من الأعمال العامة، وإنما عاش كما وصفه الأستاذ الزيات في كتابه تاريخ الأدب العربي (عيشة الفنانين خيلع العذار طليق الإسار) وكان له من طبيعته خير مساعد على الهرب بنفسه من بين كتب الفقه والنحو، ومن بين جدران قاعات الدروس والمجالس العلمية، فاقتصر في حياته على مشاهدة طبيعة بلاده الساحرة ومناظرها الزاهية، في اجتماعاته على مجالس الأدباء والشعراء في بياض يومه، وحضور ليالي اللهو والخمر تحت أشجار الأراك بين الأباريق والأقداح وبين الورد والريحان، حتى يمسح الصبح كحل الظلام (فامتلأت عينه ونفسه من جمالها، وراح يبرز هذا الجمال المعنوي في حلل شعرية)
الممنا في المقدمة السابقة إلمامة قصيرة بوصف طبيعة الأندلس، وطبيعة ابن خفاجة، فالأولى كانت جميلة المناظر، زاهية الألوان، والثانية كانت كوجه البحيرة صفاء وركودا ينعكس فيها كل مشهد من مشاهد الكون جميلا جذابا، وقلنا إن طبيعة ابن خفاجة أحبت طبيعة بلاده حبا بلغ به حد الغرام حتى هجر حياة الدرس وحياة العمل واقتصر على حياة كحياة الفنانين الذين ينقطعون إلى مشاهدة مناظر الحياة التي تتعلق بفنهم، ولعلك ترانا محتاجين إلى مثل هذه المقدمة، فان الموضوع الذي كلفنا أنفسنا بحثه يحتاج إلى مثل هذه المقدمة، إذ كل ما نقصد من هذا الموضوع أن نقدم بين يديك الصور التي اجتلاها بن خفاجة عن الطبيعة.
ترى الطبيعة في شعر ابن خفاجة ماثلة واضحة، تقرأ له القطعة فترى وتسمع وتشم. ترى الناظر واضحة جلية، وترى خضرة الأشجار، وحمرة الأثمار، وبياض الحباب، وصفرة الشمس، وترى ذهب الأصيل ولجين الماء وزرقة السماء، ثم تسمع نشيد المغني ووقع الرباب وغناء الحمام، ورنين المكاء وخرير الماء، وتشم عرف الروضة الغناء، وأريج