الأزهار البيضاء، ورائحة الورد الحمراء، ثم تقرأ له من التشبيه الساحر والطباق الدقيق، والكتابة اللطيفة ما لا يخرج عن الربا الخضراء والوهاد الشجراء والأدواح اللفاء، وما لا يخرج عن العنبر والعرار والسوسن والأقحوان. إن بلاداً يصفها الشاعر فيما يصف فيقول:
يا أهل أندلس لله دركموا ... ماءوظلوأنهاروأشجار
ماجنةالخلدإلا فيدياركموا ... ولو تخيرت هذا كنت أختار
لا تحسبوا بعد ذا إن تدخلوا سقرا ... فليس تدخل بعدالجنة النار
وان حياة يحياها الشاعر كما وصفها فيقول:
إنما العيش مدام أحمر ... قاميسقيهغلامأحور
وعلى الأقداح والأداوح من ... حببنور وتبرأصفر
فكأن الدوح كأسأزبدت ... وكأن الكأس دوح مزهر
إن تلك الأرض وهذه الحياة لدليل واضح على صفاء نفسه ودقة حسه، وعلى تأثيره بمشاهد أرضه إلى حد يشبه جنون الفنانين فقد كان يذكر الطبيعة في مواقفه التي وقفها راثيا باكيا وفي مواقفه التي وقفها زاهدا متململا، وفي مواقفه التي وقفها معاتبا ممضا، وفي مواقفه التي وقفها مادحا يمدح الإخوان والقضاة، وفي مواقفه مداعبا إخوان الود ورفاق اللهو والسمر
لقد كان للطبيعة في لطف نفس الشاعر ورقة حسه أثر، وكان للطبيعة في شعره ظل، وكان للطبيعة في كل أغراضه التي قال بها الشعر ذكر، فهو (شاعر الطبيعة ومصورها) كما قال الأستاذ الزيات
٢
نفس الشاعر:
لأبن خفاجة في شعره صورة صادقة من طبيعة نفسه ففي قوله:
إنما العيش مدام أحمر ... قام يسقيه غلام أحور
إلى آخر الأبيات صورة لتلك النفس التي لا ترتاح إلا إلى خمرة حمراء من يد جميل أحور في ظل الدوح المزهر
فهو لا يرى في الحياة شيئا غير هذا، أو كأنه لا يريد أن يرى في الحياة شيئا غير ما ذكر،