القيود، ويكون همها ما أمامها من حياة لا ما خلعته عنها من أكفان المذلة والهوان، ويكون مطلبها رمزاً تتعلق به آمالها وترحب به آفاقها
وقد قيض الله لها ذلك الرمز، فولى أمورها ملكاً غض الشباب، شامت الخير كله من لمحاته، وآنست الرشد أجمعه من حركاته وسكناته، فافتتنت به، ولها العذر واضحاً، والحق صريحاً فما يمثل آمال الشباب إلا الشباب، وهذا هو بعض السر في السحر الذي لملكنا: إنه شاب فياض الحيوية زاخر الآمال عظيم لثقة بأمته ومستقبلها، شديد الإيمان بالله وبالمجد الذي كتبه تعالى لها، وإنه قام على العرش قبل أن تدرك الحيرة شعور الشباب في الأمة؛ وقد كان المغفور له الملك فؤاد يدرك ذلك، ولهذا أعده للعهد الجديد خير إعداد
ومن فضل الله على الأمة أنه ملك سمح عظيم مروءة النفس، ومتواضع كريم، ورقيق حليم، ووثاب بعيد مرامي الهمة، وصادق العزم صارم الإرادة، وعالي المنزع شديد الطموح، يحب الأمة ويثق بها فإذا كان قد سحر الأمة فلا عجب. بل العجب العاجب ألا يسحرها.
ومن هنا فرحة الأمة به، وبكل ما يفرحه
وأمر آخر يجعل الأمة أعمق حباً له، وأشد تعلقاً به، ذلك أنه ليس مديناً بعرشه إلا لله جل جلاله، فقد ورث عرشه بحقه الصريح فيه، فهو لا يمكن أن يشعر بغير فضل الله عليه، وهو لهذا أول ملك حر في مطلع عهد الحرية، والأمة تدرك هذا حق الإدراك، ولهذا يفيض قلبها بالحنو والحب كلما رأت مظاهر توجه الصادق إلى الله تعالى
ويشاء الله أن يجعله موفقاً في كل عمل، فقد أسر قلوب الشعب يوم خطب لنفسه من بنات رعاياه، وقد صارت اليوم ملكتنا بسنة الله الرضية. ولو أنها كانت بنت أعرق الملوك لما كانت احب إلى هذه الأمة، ولا أندى على قلوبها، ولا أجل في عيونها، ولا أسمى فيما تحس نفوسها
لقد خلط الملك نفسه بنفوس أمته، فهي تشعر أنها منه وإليه. وتحس أنه ملكها بأدق ما تفيده هذه الإضافة من معنى