تفضلت فطلبت إلي أن أكتب فصلاً يتصل بزفاف أحد ملوك الغرب بمناسبة الأفراح الفذة النادرة التي تقام في القاهرة لقران الملك الصالح السعيد فاروق الأول، فصادف تفضلك هوى في نفسي لأنني أشعر نحو شخص جلالته بحب وتقدير لا يعدلهما إلا ولائي لعرشه واستبشاري وتفاؤلي بعهده. وأعتقد أن عاطفتك نحو جلالته إن لم تزد على عاطفتي في هذا المضمار فهي تساويها لأن هذا الملك الشاب أثر أول ما أثر في قلوب المثقفين المهذبين أمثالك، ولذا رأيتَ أن تقف عدداً من رسالتك أو معظمه على مشاركة الأسرة والأمة أفراحهما، ونعمت الفكرة الملهمة التي ستلقى قبولاً ورضى من قرائك كافة في سائر أنحاء العالم العربي.
وأول ما خطر ببالي زفاف ملكة هولندا ويلهلمينا وزوجها الأمير ألبرت وقد شهدته بنفسي إذ كنت في سياحة في تلك البلاد العجيبة التي هي أقرب إلى القطر المصري بوديانها وخضرتها ومزارعها الناضرة وأخلاق أهلها الوادعين، وكانت الأميرة ويلهلمينا نفسها تدعى (ملكة القلوب) لما حباها الله من الجمال والجلال ورقة الحاشية، فكانت محبوبة من شعبها وإن نسب الحاسدون إليها شيئاً من الكبر والخيلاء وزعموا أنهما زالا مع الزمن بعد أن أحسنت القيام على حكومتها في رفق ولطف سياسة، وأصبحت بصيرة بوجوه التدبير والإدارة، خبيرة بتصريف الأمور، حتى كتب (فان كيكم) أحد وزرائها عقيب زفافها يقول: (إن ملكتنا أعقل أهل المملكة) ووافقه على ذلك من رفاقه الوزراء من كان لا يزال يرقب الملكة عن كثب ويدرس أحوالها وينظر إلى مستقبلها في إسطرلاب الحوادث المغيبة.
كان البرنس ألبرت خطيب الملكة من صفوة أشراف الطراز الأقدم، وكان قد ورث ثروة طائلة عن آبائه واتخذ لنفسه معلمين من الإنجليز بعد أن نال إجازات من جامعتي برلين وأكسفورد، وآوى إلى ضياعه التي يملكها في هولندا فغرس بستاناً على نمط جديد، وابتنى لنفسه قصراً على خطة من بنات فكره؛ وجعل ينفق في سبيل العناية بالمثوى وتعهد البستان وتنظيمه ما شاء الجمال وحسن الذوق، حتى استنبت أزهاراً نابغة من الخزامى والورد الأزرق
وكان يعلم أن الملكة الشابة تحبهما وتختارهما وتفضلهما على غيرهما من الأزهار فأهدى إلى جلالتها كل ما أخرجه البستان من الورد الأزرق الغض والخُزَامَى، فأصبح من أقرب