وهو الآخر شيخ هم أبيض الشعر وردي الوجنتين أزرق العينين، وقد أبى إلا أن يلبس ثياباً هولندية مبالغة منه في التقرب الذي يقتضيه حسن الجوار وانفرد بين الملاك بهدية من تحف الكونجو، وهي تماثيل من الأبنوس والعاج مُنزلة بالذهب تمثل آلهة وفرساناً وغزلاناً وأيائل وفيلة وطيوراً من أجمل وأروع ما وقعت عليه العين. وكان ليوبولد الثاني يملك ولاية الكونجو الحرة ملك السيد المطلق لا تشاركه فيها حكومة
وكان ليوبولد الثاني بقدر قسوته على رعاياه الإفريقيين ذا حنان وشفقة على رعاياه الأوربيين، وكان يعطف على جارته ملكة هولندا لشبابها، ويرى أن يفرط في مجاملتها والحلول في نظرها محل والدها الذي كان من أصدقائه الحميمين
وكانت من المدعوات الإمبراطورة أوجيني بجلالة قدرها وعبرة شيخوختها، أتت من لندن مستندة إلى ذراع دوق كونت وقد اتشحت ثياباً بيضاء موشاة (بدنتلة) بروكسيل، قدرت ببضعة ملايين من الفرنكات، ووضعت على رأسها تويجاً من الزمرد الأخضر المتلألئ على شعر جبينها الأبيض، وزينت صدرها (بمنياتير) صورة مصغرة لولدها الأوحد (نابليون الرابع) الذي اغتاله المقاتلون في زولولاند وهو يحارب متطوعاً تحت راية الإنجليز بعد أن فقد ووالداه عرش فرنسا عقيب حرب السبعين
وقد أهدت الإمبراطورة إلى العروس حلياً وعقوداً من خزانة كنوزها، وإلى العُرْس (برنس ألبرت) سيفاً من سيوف نابليون بونابرت. وأرسلت جمهورية فرنسا هيئة شرف حربية ومدنية من الوزراء والسفراء والنواب وقد لبسوا الثياب الملكية وشارة الجمهورية (شريط مثلث الألوان) وحملوا على صدورهم نياشين الجمهورية ووسام (زايدرزي) وهو أرفع وسام هولندي، وأرسلت مستعمرات هولندا في الشرق الأقصى (جزيرة جاوي وأندنوسيا) وفوداً من سلاطينها وأمرائها، وقد زانوا الاحتفال بثيابهم الشرقية الفضفاضة وعمائمهم المرصعة بالجواهر، وكان أجملهم وأظهرهم غنى ووقاراً السلطان محمود بن تبني حليف هولندا وصاحب عرش جزيرة بيهالو - هوى، وكان حاكماً شرقياً مسلماً شديد الشكيمة واسع الحيلة، لم تستطع واحدة من دول الاستعمار إخضاعه، فحالفته محالفة الند للند؛ وكان يزين نحره وصدره بجواهر لا تقدر بمال، وأهدى إلى العروسين تحفاً قيمة منها سيوف هندية ولوحات منقوشة ومرصعة، وأقداح من الذهب للشاي وصناديق من العاج لصيانة