استطعت، فصحبته على الجهاد في سبيل الله، باذلاً في ذلك وسع الجهد وطاقة النفس. وقد أحببت أيضاً أن أتصل بنسبه فأتصل به من الجهتين وأجمع إلى نفسي الفضيلتين، وأوثق رباطي بعروته التي لا انفصام لها، وقد رأيت أن تكون وصلتي في ذلك ورباطي أم كلثوم بنت علي ابن أبي طالب، فأبوها ابن عم النبي وصاحبه، وأمها فاطمة ابنته الحبيبة، فلعلي أكون قد وفقت إلى ما أردت، ولعل الله بفضله وكرمه يجعلها لنا خيراً وعلينا بركة
قال قائل: نعم ما اخترت يا أمير المؤمنين، وحبذا ما رأيت فإنه الرأي الجميل، وأم كلثوم من الحسب والنسب في المقام الكريم، والمكان الرفيع، ولكنا نعلم أن علياً قد حبس بناته على بني جعفر، وإنه ليشتد في ذلك ما وسعته الشدة، فهل أجابك إلى خطبتك، وحقق لك رغبتك، ووصلك بنسب النبي كما تحب؟
قل عمر: إن لذلك قصة يا أخي، لو تعلمونها جميعاً لقلتم معي حيا الله ابن أبي طالب وجزاه خير ما يجزي به الرجل الكريم، والعبد الصالح، فإني إذا مددت له اليد في ذلك قال: يا أمير المؤمنين نعم إني حبست بناتي على بني جعفر، ولكني لا أعدل بك آل جعفر جميعاً، وأنت ما أنت في صحبة النبي ونصرة الإسلام والجهاد للحق؛ غير أن أم كلثوم صبية حدثة، أحسبها لا تقوم لك بحق الزوج، ولا تستطيع أن تصبر على شدتك، وربما تحملت من ذلك فوق طاقتها. قلت: هون عليك يا ابن أبي طالب، فوالله ما على ظهر الأرض رجل يرصد من حسن صحابتها ما أرصد، وأنا إن نقلتها من كنف أبيها فسأنقلها إلى كنف ألين وأرحب. ألا تعلم أني سأرعى فيها حق الله، وحق جدها الرسول، وحق أمها فاطمة، وحقك أنت يا علي؟ وإذا صح لي أن أستهين بحقك أو حق فاطمة، فما يصح لي أن أسخط الله وأغضب الرسول
ومع هذا كله فقد انطلق عني علي وما أجابني إلى شيء، ولا وقفني على نهاية يصح أن أنتهي إليها. وانقضت فترات قضيتها في تقليب الرأي وتدبير الأمر، والحدْس بما سيكون من أمر ابن أبي طالب معي، وإذا بأم كلثوم تحضر عندي، وإذا هي واقفة بين يدي على يدها بُرد مطوي، تقول: إن أبي يقرئك السلام، ويقول لك: إن رضيت البرد فأمسكه، وإن سخطته فرده عليه. قلت لها: بارك الله فيك وفي أبيك يا سليلة الرسول، أبلغيه أنا قد رضينا بالبرد غاية الرضا، فإن رأى أن يسبغه علينا فله الفضل. ثم انطلقت عني وقد علمتُ أن