حتى عاد المأمون إلى بغداد بعد أن قضى هنالك سبعة عشر يوماً، كان مبلغ ما أنفق فيها على ما يقول الطبري وابن الطقطقي وغيرهما خمسين مليوناً من الدراهم
أما هباته في تلك المناسبة السعيدة، على القواد ومن إليهم من أمراء الهاشميين، فقد كانت بدعاً في أسلوبها ومقاديرها، غاية في الكرم والأريحية، تضمن لأصحابها الثراء الدائم، فقد كتب رقاعاً بأسماء طائفة من ضياعه، ثم وضعها في بطاطيخ من العنبر، ونثرها عليهم، فكل من وقعت في يده رقعة باسم ضيعة بعث فتسلمها، ملكاً خالصاً له، وتذكاراً بليغ الأثر في حياته لذلك الزواج الميمون
وحين أزمع المأمون المسير بزوجه إلى بغداد بعث إليه بعشرة ملايين درهم، فما حملت إليه حتى ثارت به أريحيته فأخذ يغدقها في قواده وأصحابه، وخدمه وحشمه، ثم مضى مع الخليفة يشيعه وعاد بعدها إلى داره قرير العين مطمئن الضمير
وأما بوران فقد مضت مع زوجها العظيم ونزلت دار الملك والخلافة، فكانت درته اللامعة، بجمالها الفتان، وذوقها المرهف وذكائها الوقاد، ومعرفتها الواسعة، وأدبها العظيم
ولقد ظل زواج المأمون ببوران غرة في التاريخ الإسلامي، بما قام عليه من أشرف معاني الوفاء والرعاية، وما اقترن به من أعظم مظاهر النبل، وأبهر دلائل الكرم والأريحية