للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

رجعت إلي تصفني بأنني أجمل امرأة في الدنيا فعندئذ أفخر بذلك وأكون سعيدة.

فأنا إن قلت لمارية أنها أجمل من أظلهن الأفق فليخفق قلبها خفقات السرور، فإني ما كنت الأمين في حبها إلا ساعة أيقنت أني أقول الحقيقة. ما عرفت أني جهرت بالحقيقة إلا حين شعرت بأني سأفقدها إلى الأبد.

إنها تجربة الحب التي أرجو أن تقع لكل إنسان، إنها تجربة تبعث الألم لأنها من نار.

الألم يفصح ويثمر، الحب الذي يذوي بالنزق، ينمو بالألم ويترعرع. فبوركت أيها الألم لأنك ثبّت في قلبي حب مارية.

عرفتها وهي كالطفلة الغريرة الساذجة، وإني لأراها في ذلك اليوم وهي على ثقة من نفسها، فكانت تحاول أن تظهر كالمجربة، فكانت تتحدث عن الحياة كأنما سبرتها إلى الغور، ولاقت من التجاريب ما كشف لها عن الحياة وزورها، ووقفها على فتنتها وغرورها، فملّت كل شيء وكانت تؤكد - وهي تنظر بعينيها الصافيتين كعيون الأطفال - أنها تفكر حقا في الالتحاق بالدير، لأنها تعلم أن حياة التجرد الهادئة تعينها على احتمال البقية الباقية من الحياة التي فرضها عليها القضاء، فإنها كما كانت تؤكد، ترى أن السعادة في الحب، وقد فرغت من هذا الأمر منذ زمن وقالت: (لقد أحببت خطيبي، وكان طالباً، ولكني الآن أحتقره وأمقت عبارات الحب التي كان يقولها، إنني لا أصلح للحب)

كانت تقول هذا بصوت خافت وقد احمرت وجنتاها وبرقت عيناها، وفي حياء المرأة التي لا تصلح إلا لشيء واحد. . . هو الحب.

عندما وقفت تلك الفتاة الرشيقة أمامي تقص علي تجاريبها المحزنة شعرت بأنني أصبحت عاشقا.

ما كان أجملها وعلى وجهها سمات الألم البريئة، وما كان أحلاها في ثوبها الجميل!

لن أنسى ثوب مارية الجميل ساعة عرفتها لأول مرة. لقد جاء وقت كان فيه لمارية كثير من الثياب. ولكنها أجمل ما تكون في ذلك الثوب الذي كان وحيدها يومئذ. انه ثوب بسيط نصفه الأعلى صدار أبيض موشى له لمعة الحرير وإن لم يكن حريراً وتزر طوقه حول عنقها بمشبك دقيق مموه بالذهب.

كانت ككل فتيات المدن الصغرى يخرجن يوم الأحد للنزهة فتسفر وجوههن عن الجمال و

<<  <  ج:
ص:  >  >>