عليّ الشجاعة ما جنتْ فلم أتهيب ولم أتوجع، وتركت الجبناء يتمتعون بمناصب كنت بها أحق، فكيف جاز لأديب مصري أن يتهمني بالمصانعة في معاملة أهل العراق؟
اسمعي يا ليلى. إن هذا الأديب نسى أن مجلة (الرسالة) لها في العراق قراء يعدون بالألوف، ونسي أن كلمته قد تؤذيني، وهذا الأديب الطيب القلب نسي أيضاً أن أهل العراق لن ينتظروا شهادته في عبقرية زكي مبارك، ونسي كذلك أنني لا أحتاج إلى إسناد يتفضل بها كاتب يجعل الرافعي إمام الأدباء. فأنا أعيش في مصر والعراق بفضل الله وبفضل عزيمتي، وإن كنت لا أنكر أن في مصر إخواناً كراماً يجعلون سيرتي مسك الختام في كل حديث
اسمعي يا ليلى. إن أدباء مصر لا يعرفون عواقب ما يكتبون. أليس من البلاء أن أنفق أوقات الفراغ في الدفاع عن مصر والمصريين؟ أليس من البلاء أن يكون من واجبي أن أنتقل في الأندية والمجتمعات لأصحح الأغلاط التي ارتكبها الكتاب المصريون؟ إن مصر ليس لها مطامع في العراق، ولكن ما الموجب لحرمان مصر من مودة أهل العراق؟ إن العراقيين يروننا إخوانهم أهلاً وسهلاً! فبأي حق يستبيح ناس في مصر أن يفوهوا بكلمات ينفر منها أدباء العراق؟
إن مصر تنفق ألوف الدنانير لتؤسس صداقات ومودات في الأقطار الأوربية والأمريكية، فكيف يغيب عنها أن تنفق الكلمات الطيبات لتؤيد ما يربطها من العلائق بالأقطار العربية؟
هل يعلم أدباء مصر - ولا سيما أعدائي - أني أدفع عنهم السوء في العراق؟
اسمعي يا ليلى. إن أهل بلدكم يقولون إن زكي مبارك لا يزال يحافظ على مصريته. وهذا حق، ولكنني أتشبث بمصر في سبيل اللغة العربية، فاللغة العربية هي الرباط الوثيق الذي سيكون في المستقبل أساس ما سيعرف الشرق العربي من قوة البنيان
وكنت وصلت إلى حد من التأثر انزعجت له ليلى. فقالت: هوِّن عليك يا صديقي!
فنظرت إليها نظرة الطفل المكروب إلى أمه الرءوم ثم قلت: ليلى، إنها سنة واحدة أقضيها في العراق!
فقالت وهي تتنهد: ستبقى عندنا طول حياتك.
فأجبت: على شرط أن تعفوني من هفوات الكتاب المصريين الذين أحمل جرائرهم صباح