العراق؟ وما وجه الخوف؟ إن مذكراتي بريئة من العبث، وأنا أعيش في بغداد عيش النساك، وإن لم يكن لي فضل في هذا التنسك، فإن الحفلة التي كرمني بها أدباء بغداد جعلتني ممن يشار إليهم بالبنان، ولم يبق من ميادين الهزل غير تذكر الأحلام القديمة، أحلام القاهرة وباريس
ثم تشجعت فقلت: ماذا في مجلة الرسالة؟
فقالت: إن الأستاذ سعيد العريان يتحداك
فبلعت ريقي، وحمدت الله. وهل يؤذيني أن يتحداني كاتب من الكتاب؟ يرحم الله الأيام الماضية حين كان الأدباء يتهيبون المرور في طريقي، وحين كانت مقالاتي في جريدة البلاغ كالسيف المصلت على رقاب الكتاب والشعراء والمؤلفين. يرحم الله الأيام الماضية حين كان أعاظم الرجال يسرهم ويشرفهم أن أهجم عليهم في جريدة البلاغ. ولكن وا أسفاه! أنا اليوم أعيش في قفصين من الفولاذ. وهل كان الدكتور طه حسين يمزح حين قال: تذكر يا صديقي أنك أصبحت موظفاً في حكومتين، وأن مركزك دقيق؟
لقد قرأت كلمة الأديب العريان، ولكن لابد من التجاهل لتعيدها ليلى على مسمعي، فإن الهجوم عليّ يعذُب ويطيب حين أسمعه من ليلى. وهل كانت رخامة الصوت إلا عند ليلى، ليلى التي زعموا أنها مريضة في العراق، مع أن في صوتها من الحلاوة ما يهد رواسي الجبال؟
وقرأت ليلى:
(ولقد سرني والله أن تُعْنى وأنت في العراق بدفع تهمة العقوق عن أدباء مصر؛ وإنها لعاطفة وطنية نبيلة أعرف كل العرفان ما يدفعك إليها وأنت بعيد)
- أعيدي يا ليلى
- ولماذا؟
- أعيدي يا ليلى، ففي مصر إنسان يشهد بأني أعرف معنى الوطنية! وهل كنت في حاجة إلى من يشهد لي بصدق الوطنية؟ عشنا وشُفْنا!
- ولكنه يتهمك بعد ذلك بمصانعة أهل العراق!
- أنا أصانع أهل العراق؟ وهل صانعت أهل مصر حتى أصانع أهل العراق؟ لقد جنت