للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يشرف على سواد أفريقيا. بل كان من العبث فوق ذلك أن نتلاقى على الملعب: فرعونية من جانب، وفينيقية من آخر. نمدكم بالحرف واليد والشراع، وتمدوننا بالخاطرة والصنع والوسق، فتدق البشائر في الدنيا بأول العهد بالعلم والصناعة والتجارة

ولا تقف المحاولة عند ربط صعيد بصعيد، وعلم بعلم، ومصلحة بمصحلة، بل جاوز الأمر إلى الديانة. فإذا الإله اللبناني (أدونيس) تحت القناطر في (أسوان)، وإذا الإله المصري (أوزيريس) فوق المذابح في لبنان. فألف الأول في العصبية الدينية زرقة السماء المصرية على خضرة الجبل اللبناني، كما جمع الآخر أمواج (أفقا) إلى أزباد النيل. ولكن الوحدة في التيجان والرايات وأجناس القبائل لبثت على ذلك كله غير مستطاعة، حتى إذا دار بنا الفلك بعد مليءٍ من الدهر، وطلعت علينا أمم الفتوح واحدة واحدة من الآشوريين إلى الرومان، خفقت على هذا الشاطئ المشرقي صيحة الوحدة

ثم انقلب أمر الدنيا، ثم جاء (الإنجيل)، فنوَّرت هاتيك الجهات على مقربة من لبنان , ثم نور لبنان بالسبب الجديد؛ وما هي حتى جاءكم مرقس يكرز، فكأنما عدنا إلى المحاولة. ويلمع في الأيام بعد ذلك ضياء من صوب (البحر الأحمر)، فتلألأ (مكة) وتغرق بلاد العرب في اللألاء (القرشي). فإذا القضية لقومية، فوق كونها لديانة. فتنقل شعاع (القرآن) في مشرق (المتوسط) على الدروب الباقية من ذلك الغرض القديم. وشرعت الرايات (المحمدية) تخفق في دمشق على خطوتين من جبل اللبنانيين، فأقبلنا في الزمن (الأموي) نعب من (كتاب) العرب، وندير ألسننا في الفصاحة؛ كما أقبلتم على يد (ابن مروان) تتلقون عقيدة الكتاب الجديد، وتتلقنون لسانها؛ فكان أن جَمَعت رابطة الفم بين هذا (الوادي) وذلك (الجبل)، بعد أن جُمعا تارات في المحاولة على المصلحة والعلم والديانة، وعلى دفع الفتح، وتحمل الأمم الغربية. ولكن تلك الرابطة التي تضم الفم إلى الفم، كانت أشد الروابط، فتلاقينا معاً على ملعب (المتوسط) كرة أخرى. أما الغرض القديم فكان في نقلة الزمن قد تحول من نحو إلى نحو، بل انتقل من جنس في الجمعة المشرقية إلى جنس؛ فضج الكون بالعرب، ورقصت فصاحتهم على (شنيل) الأندلس، كما رقصت على (نيل) الكنانة، وغدوا وراحوا على الممالك، حتى لقد تصايحوا بالضاد على أبواب فرنسا

وتسكن العروبة بعد الدور العظيم، وتجيء العثمانية تملأ الملعب، فنعتليه ومصر؛ وتتعاقب

<<  <  ج:
ص:  >  >>