فصول في الرواية التركية الطويلة، وتختلف وجوه؛ وكانت مغارب الشمس قد أضاءت وطفقت مشارقها تعتم. فيرج المدفع في (عكا)، ويقطع على (بونابرت) طريق (الهند) ويرد يد الإسكندر الثاني عن تغيير خارطة العالم:
فيا صاحب الجلالة
في تلك اللَّفتة من التاريخ جاء جدك. . . وقد كان من الاتفاق أن يولد بونابرت في (أجاكسيو) خارج فرنسا في العام الذي ولد فيه محمد علي في (قَوَله) خارج مصر. فلما غلغلت الشمس الفرنسية في جوف (البركان المنطفئ) وراء (الأوقيانس)، وأخذت الشمس المصرية تتعالى في سماوات التاريخ - وكأنما أنوارها تتفلت من وحشات ذلك الغروب البعيد - كان من الاتفاق أيضاً أن ينهض عرش عصامي في الشرق، حيث يهوي في الغرب عرش عصامي؛ فيتربع (محمد علي) في مصر، ويعود الشاطئ المشرقي على يديه إلى المحاولة. وأنت تدري أن كرة الأرض قد صغر حجمها في عيون أساتذة الطمع، منذ ما قامت أوربا على قدميها، وأصبح قيد الشبر من أرض على خليج يحله فاتح في الأعصر الحديثة، بمثابة نصف قارة يخوضه في الأعصر القديمة فاتح مثله؛ فلم يخرج (محمد علي) على قاعدة الأساتذة، ولكن قيد شبره كان كبيراً. . . فصهلت خيل (طوسون) و (إبراهيم) على سيف (البحر الأحمر) المشرقي، وفي صحراوات (الحجاز)، ومشارف (نجد)، ولوّحت أعرافها تحت (إسماعيل) على (البحر الأزرق)، وخطرت عمارة (إبراهيم) بين عيني الجزائر (اليونانية)، ثم طلعت أعلامه علينا من (العريش)، فقطعت من يافا العربية إلى (قونية) التركية خلف (طوروس)، وكادت تطل على خليج (البوسفور)!
أما لبنان فأقبل على المحاول المصري الكبير في إجابة من النفس. إذ الملعب المشرقي لنا فيه سابقة الخطرات. فلا عجب أن تصبح يد (بشير) في يد (محمد علي) - وكان سيد (الجبل) قد نفضها قبل من نابليون نفسه - عند أسوار (عكا). . .! ثم تنسخ في المحاولة الجديدة صورة أختها تلك، فيرتبط الجبل اللبناني بالوادي المصري في العلْم، بعد أن ارتبط به في الحد والمصلحة واللسان؛ وفي دين (ابن مروان) ودين (مرقس)؛ فأظلنا (القصر العيني) معاً، وجمعتنا مطبعة (بولاق) على الممتعات في الفلك والزراعة والهندسة والجغرافية