الله عفيفي في مديح الملك - والسفُّود هو الحديدة التي يُشْوَى عليها اللحم - وهو عنوان له دلالته، وفيه الإشارة والرمز إلى ما حوت هذه المقالات من الأساليب اللاذعة والنقد الحامي. وإذ لم يكن توقيع الرافعي في ذيل هذه المقالات ولا كان يريد أن يُعرف أنه كاتبها - فإنه خرج عن مألوفه في الكتابة وفي نمط الكلام، فاسترسل ما شاء كأنه يتحدث في مجلسه إلى جماعة من خاصته: لا يعنيه الأسلوب ولا جودة العبارة ولا عربية اللفظ، بقدر ما يعنيه أن يتأدَّى معناه إلى قارئه في أي أسلوب وبأية عبارة؛ فكثر الحشو في هذه المقالات من الكلمات العامية والنكات الذائعة والأمثال الشعبية، ولكنه إلى ذلك لم يستطع أن يتخلص من كل لوازمه في النقد والكتابة، فبقيت له خفة الظل وحلاوة اللفظ وقسوة النقد، إلى بعض عبارات في أسلوبه تنم عليه وتكشف عن سره.
ولم يذكر الرافعي حين أنشأ هذه المقالات أنه يتناول بهذا النقد شاعراً من شعراء القصر له حظوة عند رئيس الديوان الملكي، وأن هذا الشعر الذي يفريه ويكشف عن عيبه إنما أنشأه ناظمه في مديح الملك. أو لعل الرافعي كان يذكر ذلك ولكنه يحسب نفسه بنجوة من التهمة لأنه لم يوقع بإمضائه على هذه المقالات؛ فلم يتحرج مما كتب، وألقى القول على سجيته في صراحة وعنف وقسوة، ولم يصطنع الأدب اللائق وهو يتحدث عما ينبغي أن يكون عليه الشعر الذي يقال في مدح الملك وما لا ينبغي أن يقال؛ فجاء في بعض كلامه عبارات لا يسيغها الذوق الأدبي العام عندما يتصل موضوع القول بالملك الحي الذي يحكم ويدين له الجميع بالولاء. وكأنما ركبتْه طبيعةٌ غير طبيعته خَيَّلتْ إليه أنه يكتب في نقد شاعر من الماضين يمدح ملكاً من ملوك التاريخ، فلم ينظر إلى غير الاعتبار الأدبي الخالص من دون ما ينبغي أن يُراعي من التقاليد واللباقة السياسية عند الحديث عن الملوك
وانتهت أولى هذه المقالات إلى القصر، فمالت الأفواه إلى الآذان، وتهامس القراء همساً غير خفي، ثم جهروا يتساءلون: من يكون هذا الكاتب؟ ولكن أحداً منهم لم يفطن إليه ولم يعرف الجواب، وأنفذوا دسيساً إلى الأستاذ إسماعيل مظهر صاحب العصور يسأله فلم يظفر منه بجواب
ونُشر المقال الثاني والثالث، فلم يلبث أن أنكشف السر؛ ونم الرافعي على نفسه بلسانه في مجالسه الخاصة. . . أو نم عليه أسلوبه وطريقته في النقد