وجاءه سائل من القصر يسأله ويستوثق من صحة الخبر في أسلوب السياسي البارع:(. . . وكيف تأذن لنفسك أن تقول ما قلت في شاعر من شعراء الملك، وأن تكتب عنه بهذا الأسلوب؟ أفيتفق مع الولاء لصاحب العرش أن تكتب ما كتبت لتصرف الشعراء المخلصين عن ساحة الملك. . .؟ أم تريد ألا ينطق أحد بالثناء على صاحب التاج وألا يكون أسمه على لسان شاعر؟ أم هي دسيسة تصطنع الأدب لتفض المخلصين من رعيته عن بابه. . .؟)
وغص الرافعي بريقه، وتبين الهاوية تحت قدميه يوشك أن يتردى فيها بحيلة بارعة، وأحس الإبراشي باشا من ورائه يحاول أن يدفعه بعنف لينتقم لكبريائه التي مسها الرافعي بحماقته منذ بضعة أشهر. . .
وحاول النجاة بنفسه من هذه المكيدة المبيتة، فلم يجد له وسيلة إلا الصمت فأوى إليه. وانقطع ما بينه وبين القصر من صلات، إلا الصلة العامة التي بين الملك وبين كل فرد من رعيته. وكان أخوف ما يخاف الرافعي أن تكون خاتمة ذلك هي انقطاع المعونة الملكية عن ولده الذي يدرس الطب في جامعة ليون على نفقة الملك؛ ولكن ذلك لم يكن إلا بعد هذه الحادثة بأربع سنين (في سنة ١٩٣٤) لسبب آخر، ولم يكن باقياً بين الدكتور الرافعي وبين الإجازة النهائية غير بضعة أشهر كما تقدم القول
لقد كَثُر ما استغل خصوم الرافعي السياسي لينالوا منه. ولقد كثر ما اتهموه من أنه من أدوات الإبراشي باشا في محاربة سلطة الأمة، وأنه صنيعته ومولاه؛ على حين كان هذا الموقف هو كل ما بين الرافعي والإبراشي باشا من صلات الود والموالاة! فما انقطعت صلة الرافعي بالقصر إلا في عهد الإبراشي، وما كان معه يوماً على صفاء. على أنه كان تلميذاً معه في مدرسة المنصورة الابتدائية فيما أذكر. . .
ولقد كتب كاتب من خصوم الرافعي غداة دالتْ دولة الإبراشي، فصلاً مؤثراً. . . بعبارات بليغة. . . في صحيفة من صحف الشعب، يصف جناية الإبراشي باشا على الأدب؛ وكان من براهينه على ذلك أنه اصطنع الرافعي ليحارب بقلمه ولسانه سلطة الأمة. . . وقرأت هذه المقالة مع الرافعي، ونظرت إليه فإذا هو يبتسم ابتسامة مرة، ثم قال: (هذا أديب يتحدث عن جناية السياسة على الأدب. . . أرأيت. . .! صَدقَ! لقد جنت السياسة على