لم يكن لهذه المقالات الثلاث التي كتبها الرافعي عن الأستاذ عبد الله عفيفي صدى في غير هذه الدائرة المحدودة؛ على أنها أنشأت بينهما خصومة صامتة ظلت مع الرافعي إلى آخر أيامه، وظلت مع الأستاذ عفيفي في أحاديثه الخاصة إلى أصدقائه، وإلى طلابه في كلية اللغة العربية بالأزهر. . .
فلما مات المرحوم شوقي بك في خريف سنة ١٩٣٢، كتب الرافعي عنه مقاله المشهور في مجلة المقتطف، وذكر فيما ذكر فيه أن شوقي بك لو كان مصرياً خالصَ المصرية لما تهيأت له الأسباب النفسية التي بلغت به مبلغه في الشعر؛ لأن الطبيعة المصرية لا تساعد على إنضاج المواهب الشعرية، ولا تعين على إبراز الشاعرية الكامنة في كل نفس
هو رأي أبداه فيما أبدى من الرأي، لم يقصد به التعريض بأحد أو الحط من مقداره. وقد يكون رأياً إلى الخطأ أو إلى الصواب، وقد يتكافأ فيه كِفتا الخطأ والصواب، ولكنه رأي أبداه الرافعي مجرداً من الهوى، لا يعني به إلا أن يستوفي عناصر بحثه. ولكن خصومه تناولوه على ألوان وفنون
أما طائفة فمالت به إلى السياسة، وقال قائلهم: هذا رجل ليس منا، يريد أن ينكر فضل مصر عليه وعلى آله، فيتهمها بالعقم وركود الذهن وجمود العاطفة فيجردها من الشعراء. . . ومضى في دعواه. ذلك سلامه موسى. . .!
وأما ثانيةٌ فقالت: وهذا قول يعنينا به نحن الشعراء المصريين ليجردنا من الشاعرية في قاعدة عامة لا تستثني أحداً إلا من انحدر إلى مصر وفي أعرافه دم غريب. . . ومضت هذه الطائفة تنقض دعواه وتسفه رأيه بما تسوق من الأمثال وتذكر من أسامي الشعراء المصريين
وانتضى الأستاذ عبد الله عفيفي قلمه ليكتب في (البلاغ) مقالاته الأسبوعية بعنوان (مصر الشاعرة) يذكر فيها من شعراء مصر في مختلف الأجيال منذ كانت مصر العربية، ما يراه رداً على دعوى الرافعي. ومضى في هذه المقالات بضعة أسابيع يضرب على وتر واحد، ثم ملّ هذه النغمة فراح يتصيد موضوعات أخرى من مشاهداته وآرائه في الناس والحياة؛ ولكن عنوان (مصر الشاعرة) ظل على رأس هذه المقالات يبحث عن موضوعه. . . فكان