ناحية من نواحيه فيهوي بالإنسان إلى فناء محتم، أو على الأقل ينزل به في نظام الأرض إلى منزلة وطيئة وضيعة، تنقصه عدده، وتقل عدته، وتفقده هذه السيطرة المطلقة الحاضرة على سكان هذه اليابسة؟
هذا ما ينذر به (السير ملكولم وتسن) رئيس معهد رس الصحي بلندن، وهو رجل إذا قال استُمِع له، فهو يقول في مقال قريب انه لا يبالغ إذا ارتأى أن المدنية قد تنتهي باضطراد الزيادة في طرق المواصلات اضطرادا سريعا يسبق العلم في مكافحته النتائج السيئة التي تنجم عن صلات قريبة بين مناطق الأرض التي لم تصلها إلى الآن روابط وثيقة. واتخذ مضربا لمثله الحمى الصفراء، وهي حمى فتاكة، تبلغ الوفيات منها ٦٠ في المائة، وقد بلغت في بعض الوافدات ٩٤ ?، وهي تنتقل من فرد إلى فرد بواسطة جنس خاص من البعوض اسمه السليم بعد عضة البعوضة المعدية له لا يظهر عليه المرض في الستة الأيام الأولى ولا يكون عندئذ مصدراً للعدوى، فإذا ظهر عليه المرض كان مصدرا لها في الثلاثة الأيام الأولى فقط من ظهور المرض، فلا بد للبعوض السليم أن يعضه لكي يُعدى المريض في خلال هذه الأيام الثلاثة فحسب.
وهذه البعوضة ذاتها بعد دخول المرض فيها لا تُعدي بالعض إلا بعد عشرة أيام من ذلك، ولكنها خلافا للإنسان تحمل العدوى طول عمرها.
والحمى الصفراء تستوطن الآن غرب أفريقيا من السنجال إلى أنجولا، وبين هذه المنطقة الوبيئة وما جاورها من سائر أفريقيا حواجز طبيعية منيعة، فبينها وبين شمالها الصحراء الكبرى، وبينها وبين غربها جبال منيعة، وفي كلتا الحالتين يستغرق الإنسان للخروج من هذه المنطقة إلى بقية الدنيا أسابيع طويلة مشيا على القدم أو ركوبا على الدواب، فإذا أصاب المسافر عدوى وسافر عقبها فالموت يدركه أو الشفاء، قبل أن يصل إلى غايته شمالا أو غربا. كذلك البعوض المصاب لا يصمد لهذه السفرة الطويلة. وأما وقد أمكن الآن أن يصل الإنسان إلى تلك المنطقة أو يخرج منها بالسيارة أو القطار أو الطائرات في تسعة أيام فما دونها فقد أصبح من المحتمل أن يُعضّ المسافر في السنجال ويبلغه المرض في مراكش أو تونس أو في مصر. وجنس هذا البعوض موجود في تلك البلاد، فما هي إلا أن يحل بها المريض فيعضه البعوض فتعم البلوى على أن البعوض السنجالي نفسه في