استطاعته أن يسافر على الطائرات، وقد ثبت ذلك فعلا فقد امتحنت مائة طيارة بعد سفر ١٢٥٠ ميل فوجد أن منها اثنتي عشرة تحمل بعوضا.
وإذا دخل المرض أفريقيا الشمالية والشرقية فلن يقف عند هذا الحد، فهو لابد سائر إلى جزيرة العرب فالهند فالشرق الأقصى، إما أرضا وإما على السفن بحراً وإما في الطيارات جوا، وإذا هو أدرك آسيا انتشر انتشار النار في الهشيم لزحمة السكان، ولوجود هذا البعوض بكثرة لا سيما في المناطق الاستوائية منها، ففي كولومبو بحثوا المنازل بحثا منظما فوجدوا البعوض في ٩٨ ? منها. وكذلك الحال في الملايا
وإذا طغى المرض على أفريقيا وآسيا هذا الطغيان فقد طغى على أكثر من نصف المعمورة فأنقض صرح التجارة وامتنع التبادل بكل أنواعه بين الشرق والغرب ووقفت السفن واعتلت الحياة واهتزت أسس المدنية اهتزازا ينذر بالتداعي.
هذا حلم لا شك مريع يقصه علينا السير (وتسن) لا نريد بروايته إلا التمثيل بما يمكن أن يحدث للمجتمع الإنساني من جراء قبيل دنيء من الأحياء إذا أعطيت له الفرصة للسيطرة على قبيل الإنسان: جراثيم صغيرة فتاكة صغرت حتى مرَّت في المرشحات البكتريولوجية، ودقت حتى لا تراها الميكروسكوب العادية. ولكن الإنسان بطبيعته يقظ لكل اختلال في اتزان يقع بينه وبين أي قبيل من قبائل الأحياء، ولا أدل على هذه اليقظة من إنذار السير (وتسن) نفسه، ومن إنذارات مثلها سبقته حدت برجال العلم، وهم جنود البشر في هذا النوع من الكفاح من زمن بعيد إلى دراسة هذه الحمى، أصلها، وموطنها، وناقلاتها، وطرق الوقاية منها، ووسيلة علاجها، وقد خطوا في هذه السبيل خطوات واسعة تدلنا على أن النصر تراءى ولو من بعيد. ففي الشهر الذي ينذرنا فيه عالم بالدمار، يبشرنا علماء آخرون أن الأمل كبير في وقاية السليم بالتطعيم. ذلك أنه بادئ بدء استكشفوا أن ميكروب الحمى الصفراء إذا عُرّض للهواء أو لفعل مواد كيمياوية كالفرمالين والفينول والجلسرين يفقد بالتدرج شيئا من حدته، فإذا حقن به السليم عندئذ لا تظهر عليه أعراض المرض الإكلينيكية ولكنه يكتسب بذلك حصانة ضد العدوى. وقد استخدم هذا اللقاح بنجاح في مكافحة وافدة هذه الحمى في عاصمة البرازيل عام ١٩٢٨. لكنهم وجدوا أن تحضير هذا اللقاح لا يخلو من خطر، فانهم إذا أطالوا تعريض الميكروب للمواد الكيمياوية المذكورة بلغ