والبحتري والمتنبي. فقلت: أنا أفضل الشريف الرضي على هؤلاء الثلاثة. فاستغرب وقال: هذا كلام لم يقل به أحد سواك!
وتذكرت أني كنت أتلقى مجلة النهضة النسائية وأنا في باريس سنة ١٩٢٧ وفيها رسائل وجدانية عنوانها:(الرسائل الضائعة) وهي رسائل نفيسة بقلم صادق عنبر، فلما لقيته بعد حين أثنيت عليها، فقال وهو يتوجع: ليتها كانت صحيحة، فهي خيالية! فقلت: ليتك تمضي في هذا النظام البديع!
وبعد رجوعي من باريس في سنة ١٩٣١ كان أول من سأل عني، فمررت عليه في قلم المطبوعات فحبسني ساعتين ليمتع أذنيّ برسائله:(رسائل الحب بين قيس وليلى) فقلت: أهي أيضاً رسائل خيالية؟ فتنهد وقال: لو كانت تنبئ عن وجد دفين لما كان جسمي أضخم جسم في هذه البلاد؟ فنصحته بتكلف العشق ليخف وزنه فيمسي وهو فتى رشيق؟
وتذكرت أني أردت مداعبته في جريدة البلاغ سنة ١٩٣٥ فذهب إلى صديقي الأستاذ كامل كيلاني وقال له: قل للدكتور زكي مبارك: إن صادق عنبر لن يقرأ البلاغ ولن يعرف ماذا يقول؛ فليثق حضرته بأن الأرض لن تُزلزل تحت قدميّ، ولن يتقوض ماضي صادق عنبر لأن زكي مبارك يهجم عليه في جريدة البلاغ!
وتذكرت والدمع يملأ عيني أن الأستاذ محمد علي الطاهر أراد أن يحتفل بسفري إلى العراق فدعاني إلى الغداء عند العجاتي مع جماعة من أهل الأدب والعلم والبيان، كان فيهم الأستاذ صادق عنبر، ولكنه يومئذ لم يشترك في أطايب الحديث، فهل كان انتهى من دنياه؟
يرحمك الله يا صديقي، ويرحم عهدك في جريدة اللواء، يوم كان أكثر كتاب اليوم أطفالاً يلعبون!
الشجي يبعث الشجي!
هل أستطيع أن أنتهز هذه الفرصة فأدون في هذه المذكرات حادثة عجزت عن تدوينها منذ أشهر طوال؟ هل أستطيع أن أقول بصراحة إنني كنت من أشد الناس ارتياحاً إلى اصطخاب الجدل السياسي في مصر؟ لقد آن لقلبي أن يفصح عن بلائه المكنون. إن الجدل السياسي في مصر كان نعمة وارفة الظلال لأنه استطاع أن يشغل صديقي الأستاذ عباس الجمل عن أفدح نكبة أصيب بها في دنياه، وهي اختصار الغصن المطلول الذي أسمه