للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

طاهر عباس الجمل الطالب بكلية الحقوق

آن أن أصرح بأن هذا الأديب المفقود كان يحفظ ديواني، وأنه تفضل فأسمعنيه قبل أن يذهب إلى دمياط بيوم واحد. آن أن أصرح بأن هذا الشاب كان يراني أكرم أصدقاء أبيه، وكان يرى من البر أن يحفظ أشعاري ويقتني مؤلفاتي. آن أن أبكي هذا الشاب النبيل الذي كان أطهر ضحية ظفرت بها الأمواج

لقد حضرت الذكرى الأخيرة من ذكريات سعد زغلول وكان مجلسي في السرادق يواجه مجلس النقراشي باشا فلم أسلم عليه؛ وظن بعض الحاضرين أنني خشيت أن يكون في السلام عليه ما ينقض مودتي للنحاس باشا. فهل أستطيع أن أنص في هذه المذكرات على أنني لم أخف يومئذ إلا أن يقع بصري على الأستاذ عباس الجمل فأذكره بتلك المصيبة التي تذيب لفائف القلوب؟

كان طاهر الجمل لا يلقاني في الطريق إلا دعاني إلى رؤية منزلهم الجديد في مصر الجديدة، وكان يغريني فيقول: إن لونه كالشليك!

ولكني لم أطعه ولم أر المنزل. وما أظنني سأراه في بقية حياتي، لأن جزعي على طاهر خليق بأن يقتلني إذا رأيت ما كان يهواه في دنياه

أخي الأستاذ صادق عنبر

أرأيت كيف كانت مصيبتي فيك باباً من البلاء!

إن طاهراً في نضارته كان مثلك في ذكائك؛ وعبقرية النضارة لا تقل روعة عن عبقرية الذكاء. وأنت قد تجد من يحبر الرسائل الطوال في الثناء عليك، ويقيم لك حفلات التأبين؛ أما طاهر الجمل فيستصغر ناس قدره، لأنه كان طالباً بالسنة الثالثة بكلية الحقوق، فلم يبق إلا أن أقف وحدي لبكاء تلك الزهرة النضيرة التي اقتطفها الموت في شاطئ دمياط

وما يؤذيني وأنا أكتب هذه الكلمات إلا أن تحمل نسائم الهواء إلى الأستاذ عباس الجمل أنني فكرت في طاهر، فيتذكر أنني ما عزيته فيه، فيتجدد عتبه على صديقه القديم، أو يؤذيه أن يتذكر ابنه بعد تناس؟ ولكن كيف يتناساه بعد أن نعم بوجهه وروحه سنين وسنين، وأنا ما نسيته مع أن بصري لم يقع على وجهه الجميل غير مرات؟

يا طاهر!

<<  <  ج:
ص:  >  >>