مع ولاته، والبلاد مناصفة ومساجد المسلمين قائمة، وإدارات قومتها دارّة، على أنه يبذل مائتي ألف دينار تعجل وتحمل في (كل) سنة، نظير دخل (نصف) البلاد التي يتسلمها على معدل ثلاث سنين، ويطرف في كل سنة بغرائب التحف والهدايا. وحسّن هذا كُتّاب. . . . . . كانوا صاروا رءوساً في الدولة بعمائم بيض وسرائر سود، وهم أعداء زرق، يجرعون الموت الأحمر، وعملوا على تمشية هذا القصد وإن سرى في البدن هذا السم وتطلب له الدرياق فعز
وقالوا: هذا مال جليل معجل؛ ثم ماذا عسى أن يكون منهم وهم نقطة في بحر، وحصاة في دهناء؟
قال: وبلغ هذا أبي رحمه الله فآلى أن يجاهر في هذا، ويجاهد بما أمكنه، ويدافع بمهما قدر عليه، ولو لاوئ السلطان على رأيه أن أصغي إلى أولئك الأفكة، وقال لي: تقوم معي وتتكلم، ولو خضبت ثيابنا بالدم، وأرسلنا قاضي القضاة القزويني الخطيب، فأجاب وأجاد الأستعداد، فلما بكرنا إلى الخدمة وحضرنا بين يدي السلطان بدار العدل، حضرت الرسل وكان بعض أولئك الكتبة حاضراً، فاستعد لأن يتكلم، وكذلك استعدينا نحن: فما استتم كلامهم حتى غضب السلطان وحمى غضبه، وكاد يتضرم عليهم حطبه، ويتعجل لهم عطبه، وأسكت ذلك المنافق بخزيته، وسكتنا نحن اكتفاء بما بلغه السلطان مما رده بخيبته، فصد ذلك الشيطان وكفى الله المؤمنين القتال، وردت على راميها النضال؛ وكان الذي قاله السلطان: وَالْكم أنتم عرفتم ما لقيتم نوبة دمياط من عسكر الملك الصالح، وكانوا جماعة أكراد ملفقة مجمعة، وما كان بعد هؤلاء الترك، وما كان يشغلنا عنكم إلا قتال التتر، ونحن اليوم بحمد الله تعالى صلح (نحن وإياهم) من جنس واحد ما يتخلى بعضه عن بعض، وما كنا نريد إلا الابتداء؛ فأما الآن فتحصلوا وتعالوا وإن لم تجوا فنحن نجيكم لو أننا نخوض البحر بالخيل؛ وَالْكم صارت لكم ألسنة تذكرون بها القدس؛ والله ما ينال أحد منكم منه ترابة إلا ما تسفيه الرياح عليه وهو مصلوب! وصرخ فيهم صرخة زعزعت قواهم، وردهم أقبح رد، ولم يقرأ لهم كتاباً ولا رد عليهم سوى هذا جواباً)