أدنى أثر في إحساس شعرائنا، فطاروا بخيالهم إلى عنان السماء، يصفون النجوم وجمالها، والأفلاك ومداراتها، وراحوا يُنطقون الطيور بالسجع، والعنادل بالتغريد، وقفزوا إلى الربُى قد غطاها الزهر والنور وما في مصر شبه رابية من ذلك! واهتموا كثيراً بداوود ومزماره، وعنوا جميعاً أن يُذكرونا بيوم الحشر والنشر، وكأنهم لم يعرفوا من سجايا المليك إلا الذهاب إلى المساجد وصباحة الوجه فوقفوا عند هذا الحد وما زادوا!! ثم هم قد جروا على طريقة لا تُرضى في الأسلوب الشعري. يريد بعضهم أن يقوي فيتعجرف، ويروق لبعضهم أن يلين فيسخف؛ أما الإحساس بما كان من بهجة الزفاف، وروعة الزينة، واشتمال الصفة، وفرح الشعب، وتزاحم المواكب، وعرض الجيش؛ وأما الملك يبادل شعبه على هذا كله حباً بحب، وعطفاً بعطف، كل هذا لا نجد له ذكراً في شعر الزفاف. فكأن غاية القول عندنا أن نترسم السابقين في إحساسهم وخيالهم وأسلوبهم، لا أن نقول كما نحس وعلى ما نرى وبما نسمع!!
إن شعر الزفاف في الواقع قد جاء فاقداً للخصائص المميزة، وهي لاشك كل شيء في الشعر خصوصاً شعر الوصف والمديح. فمن السهل جداً أن يحول ذلك الشعر إلى حفل آخر، ومن السهل جداً على شعرائنا أن يقصدوا به إلى أي موقف. فلو وقفوا مثلاً في يوم عيد الميلاد الملكي المقبل ينشدون شعرهم هذا للجمهور لصفق لهم الجمهور وقرظتهم الصحافة. أليس من الزوال كما يقول المعري أن يقف أحد أولئك الشعراء فيلقي مطولة في حفل حافل وكلها تمجيد لجلالة الملك وإشادة بأخلاقه وليس فيها ذكر للزفاف ولا أي خبر عنه؟! ومن يدري لعل ذلك الشاعر كان قد قال قصيدته هذه في عظيم من قبل، ولعله ينوي أن يقولها في عظيم من بعد! وقديماً دخل أحدهم على سلم الخاسر فوجده يعمل قصائد بعضها في رثاء أم جعفر وأم جعفر باقية، وبعضها في مدح رجال لم تعين أسماؤهم بعد! فقال: ما هذا يا سلم؟ قال: وما أصنع يا أخي وقد تحدث الحوادث فجأة فيطلب إلينا القول ولا يرضي منا إلا بالجيد!!
ولكن ما عذر شاعرنا وزفاف الفاروق لم يكن فجأة وإنما كان حديث الناس منذ زمن طويل يتسع لكل شيء
نحن لا نتجنى على الحق، ولا نحب أن نلقي الكلام على عواهنه، ولكن نحب أن نشرح