أبقاك الله تعلم حق العلم أن حكم الناقد إنما يكون له هذا المقام من الإجلال والإكبار والتقديس والتقدير إذا ما تجرد من الهوى والميل، وتنكب التدليس والتمويه، وارتفع عن الارتباطات الشخصية وعلاقات الصداقة، وكان القصد فيه الحق للحق، والفن للفن والأنصاف مجرداً عن كل غاية ومأرب، فان الأمور الشخصية والميل مع الهوى شر ما منيت به أعمال الخير في كل عصر ومصر، وشر ما منى به النقد الأدبي في مصر على الخصوص، وشر ما منى به الأدب في جميع نواحيه على تقدير صحافتنا سددها الله إلى الرشد، فكان من وراء هذا أن ساء ظن الناس في أهل الأدب والنقد، وأصبح وجود الناقد الحر في اعتقادهم كوجود الغول والعنقاء والخل الوفي!
ولقد انتوينا أن نتناول شعر الزفاف بالنظر والنقد على ما يتفق وحرمة النقد البريء، وكرامة الفن المهذب، ومهمة (الرسالة) الشريفة. سنقول للمحسن أحسنت، وللمسيء أسأت. سننظر إلى ما قيل لا إلى من قال، لا نخضع في ذلك إلا لوازع الضمير وسلطان الحق، ومعايير الفن. ويعلم الله لقد حفلنا لذلك ما وسع الجهد، فسبقنا إلى كل حفل، ونهضنا إلى كل جمع، واستمعنا وقرأنا كل ما قيل وما نشر حتى ما لا يستحق أن يسمع ولا أن يقرأ. ولعلنا بهذا العمل نكون قد سجلنا على صفحات الرسالة، وهي سجل الأدب الخالد، لوناً طريفاً من ألوان الأدب لا يخلقه إلا المناسبات الطيبة، والفرص السعيدة، وما أقلها في تاريخ الأمم، وما أندرها في حياة الأفراد
ولا أكتمك الحق إذا قلت لك إن شعراء الزفاف قد قصروا عن الشأو، وقعدوا دون الغاية، وخيبوا الأمل، وكان الأمل فيهم كبيراً، وخذلوا الشعر وكنا نرجو للشعر على أيديهم نصراً مبيناً!! الأمر الذي جعلنا نعتقد اعتقاداً صحيحاً أن الميدان قد خلا من بعد صاحب الشوقيات، وأن الشعر عند شعرائنا تلفيق وشعوذة وصناعة احتطاب على حد تعبير الرافعي يرحمه الله، فليس هناك إلا إحساس ضئيل أن دل على شيء فإنما يدل على أن في نفس صاحبه شاعرية كنبوة مسيلمة. . .
لقد كان يوم الزفاف حافلاً بمعالم الزينة والبهجة، يفيض كما قلنا بالجمال والجلال، والبهاء والرواء، فكان في كل منظر شعر، وفي كل مظهر سحر، وفي كل وضع فن، فلو فاز ذلك اليوم بشاعر كابن الرومي أو شوقي لربح الشعر والفن؛ ولكن كل هذا لم يكن له مع الأسف