للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

- إيش لون ليلى؟

- أهدّد من أجلها بالقتل!

وقدمت إليه الخطاب فكان يقرأ والغضب ينقله من لون إلى لون، ثم ابتسم فجأة وقال:

- ولكنه صفح عنك!

- صفح عني؟ وكيف؟

- ألم تقرأ هذه الجملة؟

ونظرت فإذا في نهاية الخطاب (ولكني عدلت عن هذا الخاطر لأني إذا قتلتك قتلت معك علماً غزيراً في الطب، وذوقاً دقيقاً في الأدب) فعجبت أن تفوتني هذه الجملة، ولكن يظهر أن انزعاجي صرفني عن استيعاب الخطاب؛ والتهديد بالقتل يصنع أشنع من ذلك. عافى الله قراء هذه المذكرات من الأسواء

ولما اطمأننت إلى صفح غريمي في هوى ليلى تشجعت وقلت: ومع هذا فأنا لا أبالي أحداً، وقديماً قال جميل:

فليت رجالاً فيكِ قد نذروا دمي ... وهَّموا بقتلي يابثين لقوني

إذا ما رأوني طالعاً من ثَّنية ... يقولون من هذا وقد عرفوني

فقال رئيس الشرطة وهو يبتسم: يجب أن تثق يا دكتور أن العراقيين يفدون ضيوفهم بالأرواح، وهم لا يخافون عليك إلا عادية هواك

٢ - تفضل سكرتير محطة الإذاعة العراقية فدعاني لإلقاء محاضرة عن الحِكم العطائية؛ وأنا فيما يظهر رجل خدّاع، فقد ظن الأستاذ فؤاد جميل أني أصلح الناس للكلام عن حِكم ابن عطاء الله؛ ولعل حياتي في بغداد هي التي هدته إلى ذلك، فقد رآني أحفظ آداب الصيام، وأؤدي الفرائض والنوافل، فظنني رجلاً تقياً، ونسى هذا الأديب أن الغريب لا فضل له في التخلق بمكارم الأخلاق. وهل يستطيع رجل مثلي أن ينحرف عن الصراط المستقيم في بغداد؟ إن استقامتي في هذه المدينة ليست إلا ضرباً من الآداب الصناعية، ولن تكون لها قيمة إلا إذا عاملني الله عز شأنه بالمثل المأثور

(يؤجر المؤمن رغم أنفه)

وهنا أشعر بأن الله تباركت أسماؤه خصني بمزية قليلة الأمثال، فأنا أحاسب نفسي قبل أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>