للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الناحية البيولوجية

وقد أصبحت هذه الناحية هامة وجديرة بالاعتبار في التربية ولا سيما بعد أن ظهرت (نظرية التطور) ووضعت الإنسان في مكانه بين سائر المخلوقات. ولعلك تعرف أن محور البحث هنا يدور حول الكائن الحي من حيث ملاءمته بين نفسه وبين بيئته. ومع كل فلا يهمنا من ذلك في التربية إلا المخ، والطفولة، والعقل

(١) فأما المخ فقد ثبت نهائياً أنه في (الإنسان) أكبر الأمخاخ بالنسبة للجسم، وأن الفرق بين مخ أرقى قرد وأحط إنسان أكبر بكثير من الفرق بين مخ أرقى إنسان. وقد لوحظ أن القابلية للتعلم والتهذيب تتمشى من كبر المخ تمشياً مطرداً، وإذن فمعنى كبر المخ في الإنسان هو القابلية العظمى للتربية، وقيام المخ ذاته مقام الانتخاب الطبيعي وجوهرية عملية التعليم ذاتها بالنسبة للإنسان والقدرة الكبيرة على التخلص من الغرائز أو تهذيبها ما دام المخ يستطيع أن يقوم مقامها.

(٢) وأما طفولة الإنسان فهي أطول طفولة معروفة، إذ بينا يصير فرخ الطير قادراً على الاستقلال بنفسه بعد أيام قليلة، لا يصير ابن الإنسان كذلك إلا في سن لا تقل عن العشرين في الشعوب الراقية على الخصوص. وإذن فالتربية السليمة هنا أداة لا مندوحة عنها لأحكام عملية النمو وتحقيق آمال الجماعة في أفرادها

(٣) بقي (العقل) وقد أثبتت جميع تجارب الباتولوجيا والتشريح والفصل الجزئي علاقته التامة بالمخ المشتمل على المراكز العليا التي تقوم بالعمل المُروي تاركة الأفعال العكسية واستجابات الغرائز للمراكز السفلى في العمود الفقري. وهذا (المخ) قابل للتربية كما يقول الأستاذ ولا سيما في سن الطفولة والشباب لأنه يكون حينذاك (مرناً) سريع التأثر، وإذاً فميسور تقوية نسيجه وقواه بتكوين عادات عصبية توفر الوقت وتترك للعقل فرصة للتفكير فيما هو أرقى من (الدفاع) الذي يبدو أنه الوظيفة الأساسية للجهاز العصبي عند الحيوانات جميعاً. والتربية هنا توقظ القوى النائمة، وتحفز المستيقظة، وتربط الرذيلة بالألم، والفضيلة باللذة؛ وتغرس العادات الحسنة التي قد تعادل الغرائز في قوتها. ويؤكد الأستاذ بعد هذا أن الجهاز العصبي في الأمم المتعلمة أقدر على قبول التربية منه في الأمم الأخرى. وإذاً فالفرق بين الوحشية والتمدن هو في الحقيقة فرق بين مخ يستجيب صاحبه للغرائز

<<  <  ج:
ص:  >  >>