للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطبيعية استجابة الحيوان، ومخ يستجيب صاحبه لها استجابات حرة مهذبة معدلة فيها التسامي والتعويض، والكبت والتحوير!

ولكن هل ترمي التربية إلى جعل جميع أعمالنا آلية عديمة الشعور؟ الجواب كلا! ذلك أن العقل الآلي لا يصلح قط للظروف الاجتماعية الدائمة التغير والتشكل. وإذاً فهي ترمي إلى إدخال عنصر (الشعور) في الأعمال حتى يمكنها إحكام التصرف على ضوئه المنير، وحتى تستطيع أن تشرق به على (اللاشعور) فتضيء ظلمته، وعلى الزمن فتنبهنا إليه، وعلى (المثل الأعلى) فتطمح بنا نحوه. وهناك لا نكون مجرد (آلات) تذهب إلى العمل وتعود منه إلى البيت، ثم تخرج إلى المقهى، وهكذا دواليك على نحو أوتوماتيكي خاص؛ وإنما نكون في أعمالنا كائنات حساسة شاعرة تحيا حياة اجتماعية خصبة فيها التقليد النافع، والتضحية السامية، والمحبة النابضة، والمنافسة السليمة، والقابلية لإصلاح أنفسنا وعاداتنا كلما شعرنا بالنقص ورأينا الكمال

أما النظرة العامة التي نخرج بها من هذه الناحية البيولوجية فهي العيش أولاً ثم الكماليات، العيش ثم الفلسفة والفن؛ هذا إلى جعل (الطفل) موجباً يؤثر لا سالباً (يتأثر)، لأن المخلوقات الحية قد تشكلت بردود أفعالها أكثر مما تشكلت بالبيئة. ويقتضي بالطبع جعل المدارس دور (نشاط) نظري وعملي لا دور حشو واستماع، والنظر إلى التربية ذاتها كمعوض أساسي يسد للإنسان ذلك النقص الهائل الذي لا نجده في الحيوان، وكأسلوب من (المواءمة المثلى بين المرء وبيئته) كما يقول الأستاذ هورن

الناحية الفسيولوجية

أما هذه الناحية فتقول مع بعض مذاهب الفلسفة إن الحياة قد بدأت بالمادة ثم بالروح، وإن الجسم والعقل لم يتلاشى بعضهما في بعض بالرغم من شدة امتزاجهما، فهما يكونان وحدة متسقة ويؤثر بعضهما في بعض تأثيراً كبيراً. ألا تنمو قوى العقل بالحس والحركة؟ أو ليست الإرادة حركة مُروًّى فيها؟ أو ليس (الشعور) - بعد هذا - صدى للإرادة والمعرفة؟

ولذلك تنحصر مهمة التربية هنا في تسليح الجهاز العصبي بردود أفعال حرة منها الاعتيادي - عن طريق العمود الفقري - ومنها المروّي فيه - عن طريق المخ - وفي الاستفادة من نتائج التجارب القائلة بأن العمل ينهك المخ فلا يكون لعمله بعد أربع ساعات

<<  <  ج:
ص:  >  >>