ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون). أحبوا ولكن ابقوا رجالاً. إن الرجل إذا احب لم يبكِ ويتذلل ويأرق الليل، ولم يلق شفتيه على قدمي المرأة، كما كان يفعل لامارتين، ولكنه يقوم قائما على مشط رجله، ثم يقول لها، بعينيه النافذتين، وعضلاته الحجرية، وإرادته الماضية، ورجولته البادية:(تعالي!)
أحبوا ولكن ابقوا أفراداً من هذه المجموعة البشرية التي هي الأمة، لا يقطعكم الحب منها، ويُعِدْكم إلى الحياة الفردية الوحشية، فتنكروا كل شيء، وتنسوا الدنيا، وتتجاهلوا الحياة إلا إذا أشرقت عليها نظرة من المرأة وأضاءت في أرجائها كله منها. ولا تقيموا الدنيا وتقعدوها، وتغرقوا الأرض بالدموع لأن الحبيبة المحترمة لم تمنح قبلة وعدت بها، ولم تصل وقد لوحت بالوصل، تنظمون الأشعار في هذه الكارثة، وتنشئون فيها الفصول، تبكون وتستبكون، ثم تنامون آمنين مطمئنين، والنار من حولكم تأكل البلاد والعباد. . .
الشعر شعور، فأي شعور وأي حس فيمن يرى أمة كريمة مجيدة بقضها وقضيضها، ومفاخرها وتاريخها وحياتها وأمجادها تطرد من ديارها، وتخرج من بيتها - وهي أمته، وأفرادها اخوته - لتعطى مساكنها إلى أمة من أسقط الأمم: أمة ضربت عليها الذلة والمسكنة وباءت بغضب من الله، وغضب من الناس والحق والفضيلة والتاريخ، ويرى صدورها مفتحة للرصاص، وشيوخها مسوقين إلى حبال المشانق، وشبابها في شغاف الجبال وبطون الأودية يدفعون الظلم بالدم، وأطفالها ونساءها بين لصين: لص ديار، ولص أعراض، لص يحارب بالذهب، ولص يقاتل بالبارود - ثم لا يحس بهذا كله، ولا يدري به، ولا يفكر فيه، لماذا؟ لأن الشاعر المسكين مصاب متألم. . . ماله؟ ما مصابه؟ إن حبيبته لم تعطه خدها ليقبله. . .
إن العاطفة إذا بلغت هذا المبلغ كانت جريمة.
وما دمنا في حديث الحب فلنوف الحديث حقه. إن لي تعريفاً قديماً للحب، هو أنه المرقد (البنج) الذي وضعه الله لتمام عملية التناسل التي لابد منها لبقاء النوع البشري، والتي لا يصبر الإنسان على احتمال قذارتها وآلامها لولا هذا المخدر، فأول الحب إذن ووسطه وآخره الاجتماع الجنسي والسلام، أما الحب العذري الأفلاطوني العفيف فليس إلا إحدى الأكاذيب الجميلة، التي لا يصدق بها عاقل. من أجل ذلك يشك العقلاء في عفاف المرأة