للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

جهد استطاعته. على أن شخصية عبد الوهاب كموسيقار قد طغت على هذه الناحية وخلفتها وراءها وكانت موضع اهتمام الجمهور، فلا عجب إذا أولاها الناقد القسط الأوفى من عنايته.

والآن. . . هل أنا في حاجة إلى الحديث عن عبد الوهاب الموسيقار، الملحن، والمغني؟ لا يستطيع أحد أن ينكر على عبد الوهاب الملحن ما أدخله وابتكره في الموسيقى من الألوان الجديدة الطريفة، وهذه ألحانه وأغانيه تشهد له بالنضوج الفني الكامل، والذوق السليم، وان له ملكة الفنان الحق، الفياضة، المتدفقة، التي يغترف من معينها الذي لا ينضب، ويستقي من نبعها الصافي السلسبيل، أنغاما تشجي القلب والفؤاد، وتبث في النفس ألوانا شتى من العاطفة الحية القوية، فأنت معه: إن بكى أبكاك، وان طرب أطربك، وان وصف خلت أنك ترى بالعين ما تسمع بالأذن، وان شدا حلق بك في سماء من النشوة أنت فيها هانئ سعيد، وملأت موسيقاه روحك بخيالات الأمل وأحلام الشباب، وتنقل بك ما شاء أن يتنقل بين عواطف القلب وميول الفؤاد، وأنت تنهل من موسيقاه في مثل نبع سائغ عذب حلال.

ولقد جدد عبد الوهاب في موسيقى التخت الجامدة، فأدخل عليها بعض الآلات، كما وضع لألحانه توزيعها الموسيقي (أوركستراسيون) فأضفى عليها ثوبا قشيبا من التجديد له خطره وله جلاله. وعبد الوهاب المغني حبته الطبيعة بصوت مرن، يعلو حتى يكد العازف في تتبعه، وينخفض حتى لا يكون أكثر من همس الخاطر، أو مناجاة العاشق، على خوف من الرقباء والعاذلين، وقد أحسن عبد الوهاب استخدام هذه المرونة كالصانع الحاذق يشكل ما في يديه كما يشاء، ويلون في تموجات صوته معاني ما ينشد من الألحان، فيكسب اللفظ جدة وروحا، ويبرز لك المعنى بروزا قويا صريحا، وقد تقرأ اللحن فلا تجد فيه شيئا، فتسمعه من عبد الوهاب فكأنما صاغه من جديد صياغة الماهر اللبق، وما أذكر أني سمعت عبد الوهاب مرة إلا وأخضلت عيناي بالدموع

يلقي عبد الوهاب في الفلم ثماني قطع غنائية، منها قطعة (الرومبا) التي وضعها على نسق هذا النوع الطريف من الموسيقى الإفرنجية، فأتى فيها بمعجزة، ولست أقتصد في القول ولا أتهيب أن أقدم لعبد الوهاب أبلغ آيات الإعجاب على توفيقه في تلحين هذه الأنشودة. كذلك كانت القطعة الختامية التي ينشدها على مقربة من منزل حبيبته ليلة عرسها، والأسى يقطع

<<  <  ج:
ص:  >  >>