يريدون أن يحرروا بالنقد عقولهم من عبادة الأشخاص ووثنية الصحافة!)
أما أن تكون هذه المقالات الانتقادية لم يُنسج على منوالها في الأدب الحديث فَنَعم، وأما أن تكون مدرسة للتهذيب ومثالاً يحتذيه النَّقدةُ فلا. . فليس بنا من حاجة إلى أن يحتذي النقدةُ هذا المثال في أسلوب النقد والجدل فيزيدوا عيباً فاحشاً إلى عيوب النقد في العربية
والحق الذي أعتقده أن في هذا الكتاب - على ما فيه - نموذجاً في النقد يدل على نفاذ الفكر ودقة النظر وسعة الإحاطة وقوة البصر بالعربية وأساليبها. ولكن فيه مع ذلك شيئاً خليقاً بأن يطمس كل ما فيه من معالم الجمال فلا يبدو منه إلا أَدَمُّ الصور وأقبح الألوان، بما فيه من هُجْر القول ومر الهجاء؛ ولئن كان هذا مذهباً معروفاً في النقد للرافعي وخصمه واثنين آخرين من كتاب العربية في هذا الجيل - إننا لنريد للناقدين في العربية أن يكونوا أصحَّ أدباً وأعفَّ لساناً من ذاك. . .!
ذلك رأي قلته للرافعي - يرحمه الله - فما أنكره عليّ ولا اعتذر منه؛ فما يمنعني اليوم شيء أن أعلنه صريحاً إلى الأدباء. ولقد همّ الرافعي منذ سنوات ثلاث أن يجمع كل ما كتب في النقد بعد كتاب (المعركة) في كتاب واحد؛ فأبديت له الرأي أن يضم إلى هذا المجموع مقالات (على السفود) بعد أن يجردها مما يعيبها حرصاً على ما فيها من الفن؛ فارتاح لهذا الرأي واطمأن إليه، ولكنه لم يفعل، إذ حالت الحوائل دون تنفيذ فكرته
وإنها لخسارة أن ترى التمثال الفني البديع مغموراً في الوحل فلا تصل إليه إلا أن تخوض له الحمأة المنتنة وهيهات أن تُقبل عليها النفس؛ وإنها لخسارة على العربية أن ترى هذا الفن البديع في النقد يتكنفه هذا الكلام النازل من هجر القول ومر الهجاء
ولقد كان الرافعي نفسه يعترف بأن في الكتاب ما لم يكن ينبغي أن يقول، وبأن خصمه بما قال فيه كان يملك أن يسوقه إلى المحاكمة؛ ولكن الرافعي مع ذلك كان مطمئناً إلى شيء آخر. .
قال الرافعي: (. . . قال لي قائل: لقد قلت في العقاد ما كان حرياً أن يقفه وإياك أمام القضاء!. . . ولكني يا بني كنت على يقين بأن العقاد لن يفعلها؛ إنني كنت أهاجم العقاد بمثل أسلوبه في النقد، وإن معي لورقات بخطه لا يسره أن أجعلها دفاعي أمام المحكمة فيخسر أكثر مما يربح. ولقد قرأت من هذه الورقات على مستشار كبير فأيقن بما أنا موقن