للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شرف المكان، وظل السلطان، وكثرة الأعوان - لأجزع في مناضلة عضد الدولة من أن أصيب الغرض منه، كما أجزع من أن يصيب الغرض مني، وأكره أن أظفر به، كما أكره أن يظفر بي، وأشفق من أن أطرف عيني بيدي، وأعض لحمي بنابي)

وأحسبه خشي أن يدور بخلد أحد أن عز الدولة يتهافت على مرضاة قرنه أو أنه يرهب مصاولته وضعفه، فبدأ الكتاب بأسلوب القوي الصارم، واستهله بلهجة الغالب الظافر، فذكر العز والمنعة، والقوى والمنة، والملك والسلطان، والجند والأعوان وتأييد الله له، والتفاف الأمة حوله، ثم ثنى بالغرض الذي إليه أراد، وهي فطنة وذكانة في جزالة ورصانة. ومن ذلك قوله أيضاً وفيه حكمة ومواعظ، وتبصره وذكرى، وإن أنكر عليه الحكمة إلا قليلاً الدكتور زكي مبارك في كتابه النثر الفني حيث يقول: (وقد تصفحنا رسائله غير مرة لنرى أثر الحكمة فيها فوجدناه ضئيلاً):

(إن انتثار النظام إذا بدا - والعياذ بالله تعالى - لم يقف عند الحد الذي يقدر فلان أن يقف عنده، ولم يخصص الجانب الذي يظن أنه يلحقه وحده، بل يدب دبيب النار في الهشيم، ويسري كما يسرى النغل في الأديم؛ وكثيراً ما تعدى الصحاح مبارك الجرْب، ويتخطى الأذى إلى المرتقى الصعب)

وتارة يشاء الموحي إليه صرامة وحزماً، فتقرأ له كتباً أقوى من كاتبها منة، وأرصن من منشئها قوة، تخالها إذ تقرؤها لرجل مارس الحروب، وخفقت فوق رأسه الألوية والبنود، وسبح فوق متون الجباد، وأوتي قوة وعزمة في القيادة والجلاد؛ فهو يتقمص روح مليكه، أو يستعيره قلبه الفتي عندما يهم بكتابة رسالة من هذا النوع. وكأني به يعصر فكره، ويقدح ذهنه، ويكد عقله، ليأتي بالمعاني الشاردة تتصدع لها القلوب، والألفاظ الصادعة تصك الآذان؛ فكل كلمة من كلماته وعيد ونذر، وكل فقراته نار يتطاير منها الشرر؛ وقد يخلطها أحياناً بالسخرية اللاذعة، والتهكم الساخر والهزء الممض، دون إفحاش في ذلك أو بذاءة. فمن ذلك ما كتبه على لسان عز الدولة إلى سبكتين الغزني:

(ليت شعري بأي قدم تواقفنا، وراياتنا خافقة فوق رأسك، ومماليكنا عن يمينك وشمالك، وخيولنا موسومة بأسمائنا تحتك، وثيابنا المنسوجة في طرزنا على جسدك، وسلاحنا المشحوذ على أعدائنا في يدك). ويقول له أيضاً:

<<  <  ج:
ص:  >  >>