سيهتم في ذلك الحين بتعرف تاريخه في كل نواحيه، وحالته السياسية والاجتماعية الراهنة، وآدابه وفنونه، وسائر أنواع نشاطه التي تكوّن حضارته في مجموعها
ثانياً - الترجمة تحقق (الاستفادة المؤكدة) في موضوعات معينة، خلال تيارات محدودة للفكر، إبان زمن معين للشعب المترجم عنه، فهي استفادة مباشرة تفصيلية تشتق من مطالعة الكتب المترجمة ذاتها
ثالثاً - الترجمة تخلق موجة فكرية فتوجه الرأي في الشعب المترجم إلى غايات معينة، هذه الموجة هي موجة (تقليدية) فهي استفادة غير مباشرة، وذلك بأن يأخذ كتاب الشعب المترجم إليه نفس موضوعات التراجم ولكنهم يعالجونها من وجهة نظرهم الخاص بهم في بلادهم، أي الاستمرار بالاستفادة المباشرة من قراءة التراجم لمعالجة موضوعات تحل بروح وطنية على ضوء ما تحتويه التراجم من علم جديد، فهي تمهد الاستمرار الوطني الأهلي (بالاستفادة المؤكدة)
رابعاً - بعد هذا ينتج عن الترجمة نوع من الانسجام بين عقلية المترجم عنه والمترجم إليه، وهذا الانسجام هو تداخل عقليتهما، وظهور نوع من التشابه في ألوان تفكيرهما، فيحصل ضرب من الاتحاد في الذوق والتفكير والميول، ويكتسب نشاط الاثنين نفس الشكل، ويتجهان إلى نفس الغاية
لهذا عندما أحس الرومان أنهم أهل حروب وسفك دماء يفرضون استعباد السيف باسم القانون والتشريع على الهادئين المطمئنين من خلق الله - ذهبوا إلى اليونان القدماء ينشدون أصول العقل، واتزان الحس، ومنطق الجمال، ليقللوا من حدة طباعهم، وتنافر غرائزهم، ولينعموا - قليلاً - بما للإنسانية من معان سامية، وآيات قدسية، وأهم من يمثل حركة الترجمة عندهم هو بلا شك، شيشرون ولقد حاول دراسة هذا الرجل كل من العلامة فان هوسدو والعلامة بومهور الأول يبحث عن أثر أفلاطون في مؤلفاته والثاني عن أثر أرسطو فيها، وذهبا إلى طريقة عقيمة في ذلك تتلخص في مقارنة النصوص وتشابه معانيها، مع أن شيشرون أخذ العلم والفلسفة في بلاد مختلفة وليس في أثينا فقط مهبط المشائين من الفلاسفة، فهو قد ساهم في تأثره العقلي لمدارس فلسفية مختلفة، فدرس بجوار ذلك على فدروس الأبيقوري، وفيلون دي لاريس ومن ينتمي إلى تعاليم الأكاديمية