الجديدة كأنطيوخس ودرس على الخصوص على ديودوتس الروافي ومن ينتمي إلى هذه المدرسة كبسدونيس ثم إنهما لم يرجعا إلى الصفات الأساسية التي تميز العقلية الرومانية وأخصها كما يذكر العلامة - الجمع - ' فحقيقة نجد عنده أثراً لأفلاطون وأثراً لأرسطو وإنما كذلك (وقبل ذلك) هناك أثر الرواقيين والأكاديمية الجديدة، فهي التي سادت تربيته عندما رحل إلى بلاد اليونان، وهي التي سادت كذلك في كل مكان في زمانه وقبل زمانه، لأن حروب الأسكندر الأكبر عاقت انتشار مذاهب أفلاطون وأرسطو سواء في المجتمع اليوناني أن المجتمع الروماني - كما يؤكد العلامة جانيه فبعد هذه الحروب حدث كما يحدث عادة بعد انتهاء كل حرب من ضعف أخلاقي لهبوط قيمة الحياة في إفهام المحاربين والانغماس في اللذات كنتيجة للانتصارات، وكذلك ضياع الفهم السياسي وأهمية الفرد في المجتمع، وكذلك انعدام الروح الدينية والاهتمام بالنتائج المادية للغزو، وهذا بطبيعة الحال يجني على التصور السامي لغايات النفس في أمور الحياة. ولما كانت فلسفة أفلاطون كأساس فلسفة (طبيعية) تهتم بفهم عالمنا الخارجي على قياس عالم داخلي هو عالم الأفكار الخالدة، ولما كانت فلسفة أرسطو كأساس فلسفة منطقية تبغي إقامة العلم والوصول إلى الحقيقة المجردة، شعر اليونان بعد تلك الحروب بحاجة إلى فلسفة جديدة تسمو بنفوسهم إلى مستوى أرفع مما وصلوا إليه، أي كانوا بحاجة ماسة إلى فلسفة أخلاقية، لهذا سادت مباشرة تعاليم الرواقيين وظل أرسطو نسياً منسياً حتى القرن التاسع الميلادي حيث ولد من جديد عند العرب، ومن جديد كذلك إبان القرن الثالث عشر الميلادي عند آباء الكنيسة في أوربا خاصة القديس البير الكبير والقديس توماس فهذه هي الحوادث التاريخية الصريحة التي بدونها لا يمكن أن يفهم المنطق التاريخي للفلسفات في جولاتها المتعاقبة
على أية حال لقد كان شيشرون (زنجياً أبيض) لأسياده اليونان القدماء في تفكيره وهو يعترف بذلك في نص صريح تعبنا في استخلاصه من مؤلفاته حيث يقول في الأتيكوس , , ما ترجمته:(إن مؤلفاتي لم أجد في كتابتها عناء كبيراً، لأنني بحثت فقط عن الاصطلاحات التي وقفت في وضعها)
وفي واقع الأمر أن أغلب مؤلفات شيشرون إن لم تكن كلها عبارة عن (ترجمة حرفية) للكتب اليونانية القديمة، بل أحياناً يعجز عن وضع الاصطلاحات لبعض التعابير اليونانية