الدنيا وقد أخذ من جميع لذاذاتها بما استطاع من نصيب
وتذكر المبشر بالبرهمية في بلاد الغرب وقد سمي كلبه (أتما) أي روح الوجود!! وأبى الصبية من جيرانه إلا أن يسموه شوبنهور الصغير، إذ لم يكن في البيت صغير غير ذلك الكلب المسكين. . . الذي قال بعض المعجبين بالفيلسوف إنه هو أيضاً لابد أن يكون من المتشائمين، ولابد أن يبدو على وجهه ما يبدو على وجه أستاذه من عبوس ظريف
وتذكر الفيلسوف وقد جلس إلى مائدته في المطعم وأخرج من جيبه كعادته كل يوم جنيهاً إنجليزياً فوضعه على المائدة بحيث يراه الحاضرون، ثم يفرغ من طعامه فيرده إلى جيبه ويقول:(قد كسبت الرهان). . . أي رهان؟؟ رهانه مع نفسه أن زوار المطعم من الضباط لن يتكلموا ذلك اليوم في شيء غير النساء والكلاب وخيل السباق!
وتذكر طالب الجائزة من جامعة كوبنهاجن برسالة لا نظير لها في كتابات عصره، فلما ضنت عليه الجامعة بالجائزة - غفلة منها عن قيمة الرسالة - طبعها وكتب عليها بالخط العريض:(لم تظفر بالجائزة من جامعة كوبنهاجن). . . كأن هذا تزكية لها وضرب من الإعلان!
وتذكر المتهكم الحانق الذي نقم على بعض الممثلين ارتجاله العبارات من غير كلام المؤلف حتى شكاه الكتاب إلى مدير المسرح فنهاه وأنذره بالفصل إن عاد إلى مجونه. . . قال شوبنهور: فلما ظهر بعدها في المسرح على ظهر جواده نسي الجواد موقفه وأتى بصوت لا يسمح به في مسارح التمثيل، فارتبك الممثل وصاح بالجواد: ألم تعلم أنهم يحرمون علينا الارتجال بغير تلقين؟!
تذكر هذا وأشباهه قبل أن يطرأ على بالك شأن الفيلسوف العظيم وتفصيل ذلك المذهب المستفيض الزاخر المجتمع من بديهة الحكمة وسليقة الفن وشعور الرجل المتصل بالحياة على غير انقطاع ولا مجافاة، كمجافاة النساك في صوامع الدين، أو النساك في صوامع العلم والدراسة
فإذا ذكرت ذلك المذهب فلعلك واجد فيه من وشائج القربى مثل ما وجدت من طرائف صاحبه ونقائضه وأفانينه. لأنه مذهب شعر بفحواه كل شاب عالج الفلسفة واشتغل بالتفكير في أوائل هذا القرن العشرين