لقد كان التشاؤم طبيعياً معقولاً في زمان شوبنهور فأصبح طبيعياً معقولاً أن يتصل الرأي والشعور بينه وبين الشبان في مثل عهده وفي مثل حاله وإن لم يكونوا على مثاله في مزاجه وأطواره
وخير ما قرأناه في تعليل التشاؤم عند ذلك الفيلسوف الكبير كلمة (دورانت) مقدم طبعته وملخص فلسفته حيث يقول عنه وعن بعض معاصريه:
(لماذا كان النصف الأول من القرن التاسع عشر مبعثاً لتلك الأصوات من أصداء العصر ينطق بها الشعراء المتشائمون على غرار بيرون في إنجلترا ودي موسيه في فرنسا وهيني في ألمانيا وليوباردي في إيطاليا وبوشكين ولرمنتوف في روسيا، عدا الموسيقيين من أضراب شوبير وشومان وشوبان بل بيتهوفن المتشائم الذي حاول أن يقنع نفسه أنه من المتفائلين؟ بل فوق ذلك جميعه فلسفة الحكيم العميق في تشاؤمه ارثر شوبنهور؟
(لقد ظهرت مجموعة الويل والهول المسماة بـ (الدنيا إرادة وفكرة) سنة ١٨١٨ وكانت سنة الحلف المقدس بعد أن قضى الأمر في معركة واترلو وخمدت الثورة وقذفت الحوادث بابن الثورة إلى صخرة في البحر السحيق يبلى عليها ويذوي. وإن قبساً من تقديس شوبنهور للإرادة مأخوذ ولاشك من ذلك الأفنوم الفخم المخضب بالدماء المجسد في شخص ذلك الكورسيكي الصغير، وإن قبساً من قنوطه وإحجامه عن الحياة مأخوذ ولاشك من جوانب جزيرة القديسة هيلانة حيث صارت الإرادة إلى الهزيمة والفشل في النهاية، وأصبح الموت وهو الظافر الوحيد المحوم على ميادين تلك الحروب، وقد عاد البوربون إلى عرشهم، ورجع الأمراء والنبلاء يطالبون بأرضهم، وراح خيال الاسكندر الطامح إلى السلام يحتضن في غفلة منه عصابة تقضي على التقدم من كل صوب وفي كل مكان. فقد ولى العصر العظيم وقعد جيتي يحمد الله على أنه ليس بالشاب الفتيِّ في عصر مفروغ منه مقضي عليه بالختام
(خشعت أوربا، وانقرض ألوف الألوف من أشد الرجال، وخربت بطاح واسعات، وكتب على الحياة في كل موضع على القارة الأوربية أن تبدأ من جديد وأن تبدأ من أعمق الأعماق كي تستعيد في ألم وبطء شديد ذلك الفيض الذي التهمته الفتن والحروب. وكان شوبنهور يسيح خلال فرنسا والنمسا في سنة ١٨٠٤ فيروعه ما يشهد من الفوضى والقذارة