للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلبي، قلبي!

يرحم الله غربتك بين القلوب!

قلبي!

أتذكر ما صنعت في سبيلك؟

لقد فررت بك من سعير الحب في القاهرة، ونقلتك إلى بغداد: دار السلام، فهل كانت بغداد يا قلبي دار سلام؟ أم كان أسمها من أسماء الأضداد؟

لقد تجهمت أبشع التجهم حين وقع البصر عليها أول مرة، واستقبلتني بوجه يتطاير منه شرر القسوة والوعورة، فقلت: لا بأس، فهي هدنة يستجم فيها قلبي، ليقوى على مناضلة العيون حين يرجع إلى القاهرة. ولكنك استوحشت وأخذت تفتش عن (عيون المها بين الرصافة والجسر) وقد انخدعت لك فتركتك ترود مراتع الغزلان وأنا آمن، فقد كنت سمعت أن بغداد لم يبق فيها للحب سامر ولا أنيس، ثم وقعت الواقعة وأسرتك عيون المها بعد أسبوعين أثنين من قدومنا بغداد

قلبي!

لقد كان يعز علي أن تخرج من بغداد بلا هوى، فمن الفضيحة لبغداد أن لا تكون فيها عيون ترمي فتصيب، ولكني ما كنت أحب أن أحملك جريحاً محطماً إلى الأنامل الرقاق التي تعبت في تضميد جروحك بين مصر الجديدة والزمالك. وما كان يخطر بالبال أن تكون دار السلام دار حرب، وأن تتألب ظباؤها على قلب أعزل كان يرجو أن لا يعرف البلاء وهو ضيف العراق

من كان يظن أن هذه المدينة الجافية التي لا تعرف غير وصل النهار بالليل في سبيل الرزق أو المجد، من كان يظن أن مثل هذه المدينة تعيش فيها مباسم وعيون لا تتقي الله في الناس؟ من كان يظن أن ينعدم كرم الضيافة في بغداد حتى يستبيح ظباؤها انتياش قلبٍ غريبٍ لا يملك من وسائل الدفاع غير الأنين؟

أهذا جزاء الصنع الجميل في بغداد؟

أهذا جزاء من يملأ الصحف العربية بالثناء على العراق؟

سيعود ناس إلى أوطانهم صحاح القلوب، وأعود إلى وطني بقلب ممزق لم تبق منه غير

<<  <  ج:
ص:  >  >>