الوطنية من أهم وأقوى النزعات الاجتماعية المتأصلة في النفوس البشرية، ومع هذا فهي لا تسلم من أعداء وخصوم، يسعون إلى كسر قوتها وإزالة تأثيرها. . . إنني سأتحدث إليكم عن أهم أعداء الوطنية وأخطر خصومها. . .
عندما أقول (أعداء وخصوم) لا أقصد بقولي هذا (الأشخاص والأفراد) بل أقصد (الميول والنزعات). . لا أقصد الأشخاص والأفراد الذين يعادون وطنهم، ويخونون أمتهم. . بل أقصد الميول النفسية والنزعات الفكرية التي تعاكس الدواعي الوطنية، وتوجه العواطف والأعمال إلى اتجاه يخالف اتجاهها. . .
إن أهم وأعم الميول النفسية التي تعارض الوطنية وتعاديها بهذه الصورة هي (الأنانية). . . لأنها توجه النفوس نحو المصالح والملذات الذاتية، وتحملها على تقديم هذه المصالح والملذات على كل شيء. . في حين أن (الوطنية) - بعكس ذلك - تدعو إلى (الإيثار) و (التضحية)، في سبيل الوطن والقومية. . إنها تطلب من كل شخص أن يحب وطنه ويخدم أمته بكل ما أوتي من قوة، وأن يضحي بشيء كثير من راحته وهنائه في هذا السبيل، حتى أنها تطلب منه أن يوصل هذه التضحية إلى درجة (بذل النفس والحياة) عند اللزوم. .
ولذلك نستطيع أن نقول: إن الأنانية تعمل على الدوام عملاً معاكساً لدواعي الوطنية. . . فالوطنية لا تستطيع أن تنمو وتقوى دون أن تتغلب على الأنانية المعادية لها
غير أن الأنانية لا تعادي النزعة الوطنية وحدها، بل تعادي جميع الفضائل والنزعات الأخلاقية، على اختلاف أنواعها. . فكسر قوة الأنانية ليس من الأمور التي تتطلبها النزعة الوطنية وحدها، بل هو من الأمور التي تتطلبها سائر النزعات الأخلاقية بأجمعها
فنستطيع أن نقول لذلك: إن خلال النضال العنيف الذي يحدث بين الوطنية والأنانية لا تبقى الوطنية بدون أنصار. . . بل إنها تجد لنفسها عدة أنصار من سائر النزعات الأخلاقية التي تشترك معها في هذا النضال. . .
غير أن هناك بعض النزعات التي تعادي الوطنية دون أن تعاكس سائر الفضائل الأخلاقية؛ فالوطنية لا تجد لنفسها أنصاراً من تلك الفضائل خلال مناضلة مثل هذه