لاعتراض الفتاة. . . وهي مرغمة على أن تقر صاغرة ما اختار لها أبواها. . . وإن كرهت. . . فلابد إذن من أن ترضى جنيفرا بهذه الزيجة لأنها صفقة من صفقات قارون، وصفقات قارون رابحة مطلقاً، لأنها تمشي بالفتاة على أرض من ذهب، وإن تك في قلبها جحيما من لظى ولهب، وهكذا زفت جينفرا المسكينة إلى زوجها المفروض عليها. . . وهكذا انتصر العالم الفاني على العالم الباقي، وصرع شيطان الأرض ملاك السماء، وتسلط التراب على الروح فعفر وجهها الحر الكريم
وذهبت الفتاة إلى زوجها جسما بلا روح، ودمية من اللحم والدم والعظم ليس لها قلب، لأن روحها وقلبها مع رجل آخر غير هذا الرجل. . . مع أنطونيو لا مع فرنسيسكو. . . مع الحبيب الذي منحها وجوده، وجعلها علة بقائه، مع الشاب الذي ثوى ملء جوانحها يضرمها بإخلاصه، ويؤججها بآماله التي انهارت في الأرض، وثبتت في السماء. . .
وذهب أنطونيو يبكي من أعماقه، وينشد النظرة الخاطفة من حبيبته في الكنائس والمسارح والمجتمعات، ويقسم جهد أيمانه أن يعيش على ذكراها، وألا يتصل بأنثى من بنات حواء مادامت جنيفرا قد أفلتت من يديه. ولم لا؟ أليس بحسبه أن يعرف أن قلبها له، وأن جسمها لزوجها الذي لم يكن لها يد في اختياره، ولابد من الرضاء به؟ ثم أليس بحسبه أن يكون وفياً لها مادامت قد أرغمت على شيء لا يستطيع أحد أن يرغمه هو على مثله؟!، وما الفرق بين أن ترغم جينفرا فتتزوج، ولا يرغمه أحد فيتزوج؟ إنه إن فعل فإنها تفضله؛ وإن لم يفعل عاش كما عاش المحبون المخلصون من قبل، وعاش خالداً في القديسين الخالدين
في سنة ١٤٠٠ نكبت أكثر المن الإيطالية بطاعون عظيم ذهب ضحيته أكثر سكانها، وكانت قرى بأكملها تصبح خلاء من أناسيها وحيوانها، وكانت فلورنسا الجميلة، عروس المدائن الإيطالية في ذلك العصر من أكثر البلدان ضحايا وشهداء
ولم تسلم جينفرا من هذا الوباء، بل تعذبت به طويلا، وكلت حيل الأطباء في سبيل إنقاذها، فأسلموها للمقادير، وانصرفوا عنها يائسين. . ولم تمض أيام حتى وقعت فريسة لنوبات جنونية كانت تعصف بها عصفاً شديداً، وتعذبها عذاباً مبرحاً، وتذيب من حولها قلوب ذويها أسفاً عليها. . . وأغمي عليها مرة إغماءة قاسية فحسب أهلها أنها أسلمت الروح. . .