بالأموات الذين عجزوا عن معونة أنفسهم. ولقد قرأت السيرة وتلوت القرآن، فلم أجد في القرآن إلا أن محمداً صلى الله عليه وسلم بشر كسائر البشر، في تركيب جسمه، وصحته ومرضه وطبيعة فكره، وخطئه وصوابه، ولكن الله اختاره للرسالة الكبرى، فعصمه من كل ما يدخل الخطأ على الرسالة، أو يؤدي إليه، أو يشين الرسول، فكان صادقاً مصدقاً، لا ينطق عن الهوى، ولا يقول (إذا بلغ عن ربه) إلا الحق، ولا يشرع من الدين إلا ما أذن به الله. وكان منزهاً عن الذنوب والمعايب التي لا يليق بصاحب الرسالة أن يتصف بها، فإذا جاوز الأمر تبليغ الرسالة وما يتصل بالدين إلى أمور الدنيا فهو بشر يخطئ ويصيب، وإن كان من أكثر الناس صواباً، وأقلهم غلطاً لأنه كان أكمل الناس عقلاً وأثقبهم بصير؛ ومادام بشراً فإنه يموت إذا جاء أجله. وإنه الآن ميت ليس حياً في قبره كما يظن الجهلة من العوام وأشباه العوام، ويمنعون الناس أن يقولوا إنه ميت، وقد قال الله ذلك في كتابه، وقاله أبو بكر صاحب الرسول وصديقه على منبر الرسول في مسجده، بحضرة أصحابه وعترته. أما الذي قاله عمر ساعة من نهار فإنما كان مصدره الألم المفاجئ، والحب الطاغي على الفكر، فلما سمع من أبي بكر ما سمع، لم تحمله رجلاه فسقط. . . . قرأت السيرة من ألفها إلى يائها، فلم أجد أحداً من المسلمين دعا الرسول أو لجأ إليه إذا حاق به الخطب الذي لا يقدر البشر على دفعه، وإنما كانوا يلجئون إلى الله ويدعونه، لا يقولون مقالة البوصيري:
يا أكرم الرسْل، ما لي من ألوذ به ... سواك. . . عند حلول الحادث العمم!
ولا قول الآخر يخاطب عبد الله ورسوله بهذا الخطاب الذي لا يخاطب به مؤمن إلا الله وحده:
يا أكرم الرسل على ربه. . . . .
عجل بإذهاب الذي أشتكي ... فإن تأخرت فمن أسأل؟
لا يدري من يسأل إذا تأخر رسول الله بإذهاب الذي يشتكي؟ وهو يقرأ كل يوم سبعة عشرة مرة (على أقل تقدير): (إيّاكَ نعبدُ وإيّاكَ نستعين)؟! ولم أجد صحابياً لجأ إلى الرسول بعد موته يستشيره في أمر، أو يراه في منام فيبني على رؤياه حكما ويأخذ منها علماً. ولقد اختلفوا على الخلافة والنبي صلى الله عليه مسجّىً في بيته لم يدفن، فما فكروا أن يلجئوا إليه وأن يستشيروه، وهل يستشار الميت؟