صدقوا بإمكان المعجزات والكرامات (وهي ممكنة والإيمان بإمكانها من أصول الدين) ولكنهم لم يكونوا يفهمونها على نحو ما نفهمها اليوم، ولم أجد للصحابة - وهم أفضل المسلمين - مثل هذه الكرامات التي نقرأ حديثها ونسمعه كل يوم. . . ووجدت كتب السيرة كلما تأخر بها الزمن، زادت فيها أحاديث المعجزات حتى بلغت هذه الموالد العامية (مولد البرزنجي وشبهه) التي جاء فيها ما نصه: (ونطقت بحمله صلى الله عليه وسلم كل دابة لقريش بفصيح الألسن القرشية!). . . (وتباشرت به وحوش المشارق والمغارب). . . (وحضرت أمه ليلة مولده آسية ومريم في نسوة من الحظيرة القدسية. . .!)
وقرأت السيرة كلها، ودققت في كل سطر منها فما شممت رائحة اختلاف بين المسلمين، لا في العقيدة ولا في المذهب ولا في الطريقة، وإنما المسلمون كلهم اخوة في أسرة واحدة، عقيدتهم واحدة، عقيدة بلغت من الوضوح واليسر و (البساطة) إلى حيث لا تدع مجالاً لاختلاف. وهل يختلف في أن الواحد يساوي الواحد؟ هذه هي عقيدتنا. . . ولكن المتكلمين أدخلوا فيها مسائل ليست من العقيدة في شيء، وملئوا بها كتبهم التي عقدوا فيها هذه العقيدة حين حشوها بحكاية كل مذهب مخالف والرد عليه. وجئنا نحن نزيد البلاء بلاء حين نحفظ الطلاب هذه المذاهب والرد عليها وقد انقرض أصحابها منذ دهور. . .
أما هذه (الطرق) فليست في أصل ولا فرع، ولا تكاد تمشي مع المأثور من الذكر، وإن أكثرها مسخرة ولهو ولعب: رقص سموه ذكراً، وغناء دعوه عبادة؛ فما أدري أهم أنبياء بعد محمد؟ (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)؟ وإلا فما بال هذه الحمحمات وهذه الدمدمات، وهذه الطامات المخزية التي نشهدها في تكية الدراويش المولوية وأشباهها من دور أصحاب الطرق أو. . . قطاعها!
ولقد قرأت السيرة كلها وأجهدت نفسي لأجد شيئاً من الأشياء، أو مكاناً من الأمكنة قدسه المسلمون وتبركوا به، فلم أجد إلا ما كان من تقبيل الحجر الأسود أو استلامه. وقول عمر:(إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله قبلك ما قبلتك). . . وتمنيت أن أرى في السيرة ذكر المحمل الذي صار في مصر من شعائر الحج، يتبرك عظماء مصر بلمس عنان جمله، ويعرض ذلك في (أفلام السينما) على أنه من أركان الحج. وأجد في السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان - وهو يعاني آلام مرض الموت