غلبني الدمع
فهؤلاء الذين يتصورون أن العافية لا تطلب لليلى إلا لتصلح لمعاقرة الكأس، هؤلاء تقدموا وتأخرت؛ هؤلاء تفردوا بالفوز وتفردت بالخيبة. وهل كنت أقل سفها منهم حتى يفوزوا وأخيب؟
إن خراب عيادتي في شارع المدابغ، وتدهور عيادتي في شارع فؤاد، وحياتي المشردة بين القاهرة وباريس وبغداد، كل أولئك النكبات ستهد من عزيمتي، أنا الطبيب المسكين الذي أضاعه الأدب فلم يعد يصلح لغير طب القلوب، في زمن خلا من القلوب
لن أسمح بخروج ليلى، ولن يراها أحد من أعضاء المؤتمر الطبي بعد الذي سمعت
ولكن هل كان ما سمعت هو كل السبب في حماية ليلى من أهل الفضول؟
الحق أني مريض بالغيرة. مريض، مريض لا يرجى له شفاء.
وكان مرض الغيرة خف بعض الخفة في سنة ١٩٢٧ ثم عاد فأضرعني
وتفصيل ذلك أني جلست أصطبح في قهوة الروم في باريس، فرأيت فتاة فصيحة العينين تجالس رجلاً فانياً، فأخذت أداعبها بنظراتي؛ وكنت فتى فصيح العيون يرسل بعينيه إشارات وخطابات وبرقيات إلى من يشاء؛ وكانت الفتاة تفهم عني فتعبس تارة وتبسم تارة وفقاً لسياق الحديث. ورآها ذلك الشيخ موزعة بين الابتسام والعبوس، فسألها فلم تنكر، فأشار إلي أن أقترب فاقتربت، فقال بلهجة صارمة: ماذا تريد؟
وقد أزعجني السؤال، وتخوفت العواقب، فقد كنت في كل أدوار شبابي أبغض الذهاب إلى إدارة الشرطة، ولو لتأدية شهادة؛ وتلطف الله عزت قدرته فستر عيوبي، وأعفاني من ذل الاستجواب في مراكز البوليس. تباركت يا إلهي وتعاليت! فلولا لطفك لأذلتني شماتة الأعداء
وكنت في تلك الساعة أتصور بشاعة الذهاب إلى إدارة التحقيق فاضطربت وتلعثمت
وأعاد الشيخ سؤاله: ماذا تريد؟ خبرني ماذا تريد؟
فجمعت قواي وقلت: سيدي، أنا شاب من الشعراء، أنا من سلالة العباس بن الأحنف؟
فهدأ الشيخ قليلاً وقال: ومن العباس بن الأحنف؟ فأجبت: هو الذي يقول:
أتأذنون لصبٍّ في زيارتكم ... فعندكم شهوات السمع والبصر