لا يضمر السوء إن طال الجلوس به ... عف الضمير ولكن فاسق النظر
وترجمت له البيتين ترجمة مقبولة فابتسم وقال: ومعنى ذلك أنك تحب أن ترى وجه هذه الفتاة وتسمع صوتها؟ فقلت: إن سمح سيدي! فقال:
ففهمت إشارته ودنوت فزاحمت بركبتي ركبة الفتاة
رباه! متى تعود أيامي!
وأفهمني الشيخ أنه شاعر سويسري، وأنه لا يرجو من هذه الفتاة إلا أن تكون مصدر الوحي. وتلطف فقال إنه يسمح لي بمصاحبتها حين أشاء
فقلت: عفواً، يا سيدي، فجيبي يعجز عن تكاليف الحب
فقال: لك الحب، وعلي التكاليف
فأهويت على يده فقبلتها قبلة ما سمحت بمثلها لشيوخي في الأزهر الشريف
وكانت فرصة عرفت فيها أن الغيرة لها حدود
ولن أنسى ما حييت عبارات ذلك الشيخ الجليل فقد كان يسألنا بعد كل نزهة: ماذا صنعتم يا أطفالي؟ فكنت أقول مثلا: رأينا بارك سان كلو، وطربنا لجمال الطبيعة هناك
فيقول: ثم ماذا؟
فأجيب: ثم رجعنا
فيقول في ألم وسخرية: وهذا كل ما صنعتم؟!
وتفهم الفتاة ما يريد الشيخ فتقول: أؤكد لك يا مولاي أن المسيو مبارك ليس من العقلاء. وكان يدهشني أن يستريح الشيخ لهذا التصريح فأمضي وأقص ما افترعنا من المغامرات
رباه! متى تعود أيامي!
ولم يدم هذا النعيم غير أربعة أشهر، ثم سافر الشيخ والفتاة إلى جنيف، وعاد مرض الغيرة يساورني من جديد. وسأكون بالتأكيد من أشرف صرعاه
ولكن هل تكون هذه الغيرة ضرباً من الغباوة والحمق؟
لا، لا، وإنما هي فيض من المروءة والشرف، فقد قضيت دهري وأنا أحقد على من يهينون الجمال. ولهذا سبب معقول؛ فالمرأة التي تجود عليك بابتسامة يكون من حقها عليك أن تحفظ معها الأدب في السر والعلانية. والمرأة تعطي كثيراً جداً حين تجود بابتسامة.