للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اليعاسيب. . . وكنت ألمح ذلك في عينيه. . . فيزداد تفرسي في وجهه الذي كان يبدو لي جميلاً رائعاً. . . وكأنما لحظ ذلك مني، فالتفت إلى الزوارق فجأة وقال: (أنظر. . . الشرع! ما أجمل الشرع! شراعان رائعان! أحدهما في الماء والآخر في الهواء!) أي أنه لم يكن يعرف أن الشراع الذي في الماء ما كان إلا صورة منعكسة؛ ولقد حاولت أن أفهمه ذلك. . . وقد أطلت في الشرح إلا أنه كان يبدو كالذاهل عما أقول. . . وكانت كلمة (شفشاف) تصدمه، وتقر في أذنه

وتمتم بهذا النداء: (ديافانوس!!). . . ثم تبسم، وعاد يحملق في الشراع العجيب!

وانتثرت بَتلة من أزهار الخشخاش فسقطت في الماء، فجعل يتبعها بنظره حتى غابت، ثم أنشأ يقول: (إنها ذاهبة. . . ذاهبة بعيداً!) وكانت نبرات الأسى تتكسر في أطراف صوته، كأنما فقد شيئاً عزيزاً عليه!

وصمتنا لحظة، ثم سألته: (ألا تخبرني ما بلدك يا سنسناتوس؟) لكنه التفت عني وأشاح، ثم مد بصره في السماء الزبرجدية الصافية، حيث ذهبت الجبال في السماء كالجبابرة التي تغط وتتثاءب؛ وكان الجسر البعيد الممتد فوق النهر يقطع السماء إلى صور جميلة بارعة، وقد أخذت ظلال الشاطئ الأخضر المنعكسة في مائه تتحول إلى لون داكن قاتم، يختلط بأهازيج الصيادين ونكاتهم المرحة الساذجة

وأشرقت أسارير صاحبي قليلاً، ثم أسرع يقول:

- أجل. . . لقد كان لي بيت أبيض، وكانت له حديقة صغيرة تنمو فيها أشجار الخوخ. . . وفي المساء. . . كانت تريزا تأتي إلي. . . جميلة حسان. . . مفتان!. . . عيناها. . . ولكن. . . هو! هو!

ثم صمت فجأة. . . لأن الهواجس السوداء كالخفافيش طافت برأسه فجأة. . . وانطفأ البريق الذي كان يشع من عينيه فصارتا غائمتين قاتمتين!

بيد أنه لم يلبث أن انفرجت أساريره، وأشرق وجهه. . . ثم لوى عنانه، وذهب عني، وهو ينشد ويغني:

, ,

وهو غناء لا أدري ماذا كان يقصد به!

<<  <  ج:
ص:  >  >>