للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن حمم!!)

ولن أنسى ما حييت فزعة سنسناتوس حين مر بنا القطار. . فلقد رعد فجأة، وجرجر في هدوء الطبيعة، فأيقظ صاحبي المجنون من تأملاته وروعه. . . فلما عدنا أدراجنا إلى القرية. . . لم يصح من أحلامه قط!!

وذهبنا مرة معاً في أصيل يوم جميل من أيام سبتمبر إلى سيف البحر. . . وكانت لا نهائية الماء الأزرق العميق تضطرب تحت بيضة الأفق التي كانت تلتمع بأمواه السماء. . . وكانت قوارب الصيادين تتهادى فوق العباب الزاخر، مَثْنى مَثْنى، كأزواج من طير عظيم مختلف أنواعه، وقد نَشّرت أجنحتها الصفراء والقرمزية. . . ومن ورائنا نهضت كثبان الرمال الشاحبة، الممتدة فوق الشاطئ القاتم، حتى تتصل بسندس النّبْت من وراء

وانطلق سنسناتوس يحدّث نفسه في صوت حنون أخاذ، كالذي تولاه طائف من الذعر والدهش: (البحر. . . الخضم. . . الأزرق. . . خِضمْ. . . خضم. . . وفيه سمك كِبار تأكل الناس! وفي أعماقه أوركوس المحبوس في قفصه الحديدي!! إنه هناك يستغيث ويستنجد، ولا من مغيث ولا منجد. . . إنه سيظل هناك إلى الأبد. . . وفي المساء تمر به السفينة. . . التي يرى الموت من يراها!!)

وسكت سنسناتوس. . . ثم هب من مقامه، فتهادى نحو الماء، حيث وقف عند هامش الموج الذي أخذ ينضح قدميه

وبعد فهل نستطيع أن نستشف تلك الأفكار التي كانت تحوم كالسمادير في رأسه الفقير المريض المعتل؟ أجل. . . لقد كان يتخيل دُنى من ورائها دنى. . . بعيدة. . . نائية. . . متألقة. . . وكان يرى أطيافاً من الألوان المضطربة، بعضها عريض طويل، وبعضها لا نهائي، وبعضها عجيب غريب. . . ولشد ما كان يضل إدراكه في تيه هذه الظلال التي لم يكن يدري كُنهها

وكنت أدرك هذا من عباراته التي يربطها رابط برغم ما كانت تصور به المناظر الرائعة في سذاجة. . . و. . . عمق في آن واحد!

ولم ينبس ببنت شفة حينما كنا نطوي الطريق عائدين إلى القرية. . . وكنت أنظر إليه لحظة بعد أخرى، فتتردد في فؤادي هواجس شتى. . . ولما اقتربنا من الطريق، نظر إليّ

<<  <  ج:
ص:  >  >>