للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

- ١٢ -

. . . وبكّرت إلى منزل ليلى بكور الندى لأدعوها إلى شهود حفلة الافتتاح. فوجدت الشقية في الفستان المصري الفضّاح الذي زارت به معرض القاهرة في ربيع سنة ١٩٢٦، وكان يجب على ذلك الفستان أن (يذوب) بعد أن (ذابت) به أكباد وقلوب، ولكنها حفظته تذكِرةً لحبها الأول، الحب المشئوم الذي أورثها الضنى والذبول، الحب الذي عجز عنه الأطباء والذي أجاهد في خلاصها منه بحب أقوى وأعنف، إن كانت الصبابات القديمة أبقت في عزيمتي ذخيرة للجهاد. . وقد اهتاجت الغيرة في صدري حين رأيت ذلك الفستان فكدت ألطم ليلى على خدها الأسيل. ثم تراجعتُ حين تذكرت أن بلواها من بلواي. وهل كان حبي في بغداد أول حب حتى أنتظر أن تحبني ليلى أول حب؟ إن المسكينة تعرف أن طبيبها من قدماء المحاربين، وتعرف أنه لم يحمل النظارة إلا بعد أن تعبت عيناه من نضال العيون. فليكن أنسها بحبي أنس الجريح بالجريح، ولتفهم أني أشفيها من جواها لتشفيني من جواي

وقديماً قال الشاعر:

يا خليليّ والرفيق مُعينٌ ... أسعفاني ببعض ما تملكانِ

أبتغي آسياً فقد عِيل صبري ... من توالي الوجيب والخفقانِ

أبتغي صاحباً تولَّه قبلي ... وشجاه من الجوى ما شجاني

فلقد يُسعف الجريح أخاه ... ويواسي الضريب في الأحزانِ

وبعد تناول ما تيسر من الصَّبوح خرجنا في السيارة إلى بهو أمانة العاصمة، فترجلت عند باب المعظَّم لتدخل وحدها، ومضيت أحمل آمالي وآلامي، فلما وصلت إلى مدخل البهو اعترضني أحد الضباط قائلاً: سيدي، هذه الحفلة خاصة بالأطباء. فقلت: وأنا طبيب ليلى. فابتسم وقال: تفضل، تفضل

وسألت بعد ذلك عن الرجل الشهم الذي أفسح الطريق لطبيب ليلى فعرفت أنه السيد سليم محمود معاون مدير شرطة السير والمرور، وسيحدثنا الضابط عبد الحسيب فيما بعد أن الغرام بالأدب من أظهر صفات الضباط بالعراق

<<  <  ج:
ص:  >  >>