للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكانت ليلى تعرف أن طبيبها يكره أن تأخذها العيون، فنظرت في أماكن السيدات فلم تجد أصلح من جيرة السيدة التي تنطق أسارير وجهها بأصدق معاني الكرم والنُّبل، عقيلة الرجل الشهم الذي يمثل المروءة المصرية في العراق

أما أنا فأخذت مكاني بين الدكتور عُسَيران والدكتور عَلاَّوي.

وكنت - مع الأسف - ذهبت إلى الحفلة وأنا أضمر الشر للأستاذ علي الجارم، فقد كِتب في منهاج الاحتفال أنه (شاعر مصر) وأنا أبغض الألقاب الأدبية. فلما وقف ليلقي قصيدته لم أصفق، وأعديت مَن حولي بروح السخرية فلم يصفقوا، ولكن الجارم قهرني وقهر الحاضرين جميعاً على أن يدموا أكفهم بالتصفيق.

وغاظني أن تصفق ليلى لشاعر يرى بحكم منصبه أنه رئيسي، لأنه كبير المفتشين بوزارة المعارف المصرية. ولولا حكم الأقدمية لكنت الرئيس وكان المرءوس، ولكن ماذا أصنع وقد سبقني إلى الأستاذية بأعوام طوال؟

وأنا والله أظلم نفسي بهذا الكلام، فما أذكر أبداً أني حقدت على إنسان. وما أذكر أبداً أني عرفت معاني الحسد والضغن إلا على الدهر المخبول الذي يتسفل فيرفع الأدعياء. وقد هجمت على شاعرنا الجارم عدة مرات، وحاربته في وزارة المعارف يوم رأى زميلي الأستاذ أبو بكر أن يكتب في نشرة رسمية أنه أمير الشعراء. وقد عرف الجارم خطر ما أصنع، فكان هو أيضاً يحاربني في مكتب تفتيش اللغة العربية؛ ولولا سماحة الأستاذ جاد المولى بك لكانت النتيجة أن أعيش بين المفتشين بلا صديق

فيا أيها العدوّ المحبوب الذي اسمه علي الجارم، تذكر أنك كنت حقاً وصدقاً شاعر مصر في المؤتمر الطبي العربي، وستمر أجيال وأجيال ولا ينساك أهل العراق

وهل تعرف مصر أنك رفعت رأسها في العراق وأنك كنت خليفة شوقي في المعاني وخليفة حافظ في الإلقاء؟

إنني أطلب المستحيل حين أطلب من مصر إنصافك. وهل أنصفتني مصر حتى أنصفك؟ هل أنصفتني مصر وكنت مجنونها وكانت ليلايّ؟

يرحمني الله ويرحمك، فعنده وحده جزاء المجاهدين

وعند نهاية الاحتفال دعوت ليلى للتسليم على سعادة العشماوي بك، وسعادة علي باشا

<<  <  ج:
ص:  >  >>